البعيد في المستقبل، وهم أيضًا لا يمتلكون القدرة الكافية على التنظير العقلي والربط بين الجزئيات، وهذا ما سماه المستشرق جب Gib - وهو يعتبر معاصرًا، لأنه إلى سَنَةِ 1965 م كان يدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة هارفارد - عقلية ذرية تتسم بتجزئة الأشياء وعدم القدرة في تجميعها وتركيبها والنظر إليها بصورة شاملة.

إن الدراسات ذات الطابع العرقي قام بها أولاً أرنست رينان، حيث كتب عدة مؤلفات عن أصول الساميين وعن فقه اللغات السامية، وفقه اللغات كان يتجه نحو تكريس الفرق بين الساميين والآريين أو بين الشرق والغرب.

ويعتبر العرب والمسلمون هم المركز الذي تدور حوله دراسات الاستشراق أكثر من بقية الأمم والشعوب، والدراسات التي تناولت الإسلام والمسلمين تختلف عن تلك الدراسات لبقية أرجاء الشرق، ولعل هذا لافت للنظر، لماذا تتسم الدراسات المتعلقة بالإسلام والمسلمين بالتحيز والتعصب والغضب؟ ولماذا لا تتسم بذلك الدراسات عن البوذية مثلاً، أو الهندوسية، أو الثقافات الأخرى أو الحضارات الأخرى كالصين مثلاً؟ ولماذا عندما تختص القضية بجانب إسلامي، أو بجانب يتصل بمجتمعات إسلامية عندئذ تظهر جذور الانفعالات المختلفة والعصبيات المتنوعة والغيظ؟ هذه إحدى الملاحظات التى سجلها إدوارد سعيد، وهي في الحقيقة تستحق الانتباه إليها خاصة إذا راجعنا الاستشراق في بدايات نشاطه، لأن بداياته الأولى ترجع إلى فترات مبكرة أكثر وترتبط بقصة الصراع بين المسلمين والغرب من خلال فتح الأندلس، ومن خلال الحروب الصليبية ومن خلال الصراع في صقلية وجنوب أوروبا، وهذا الأمر كان يجعل الإسلام يحتك بصورة مباشرة بالنصرانية التى كانت مؤسساتها الكنسية تسود العالم الغربى، وكانت هى التي تتوج الأباطرة والملوك، وتتمتع بملكية أرض واسعة مِمَّا جعلها القوة الرئيسية في الغرب، وهذا كله كان يجعل الإسلام في مواجهة مع الكنيسة النصرانية، ومن ثم اندفعت أعداد من القسس لدراسة الإسلام. فهذه البدايات الدينية كانت تتسم بالتشنج والعاطفية، والدراسات

طور بواسطة نورين ميديا © 2015