إِنَّ خلط السم بالدسم، بالثناء على الحضارة العربية وأنها تستحق الإشادة بها، ومن ناحية ثانية الطعون في القرآن والرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وفي ظاهرة الوحي يعنى أن المقصود هو الطعن، وأما الإطار بالثناء على حضارة العرب فهو للتخدير، لأنه في حالة الوعي الكامل سيرفض القارىء الشتم، ولكن إذا قيل له إنك إنسان نبيل ونابغة ومهذب ولا ينقصك إلا كذا - وهذا الكذا يفقد الإنسان قيمته - هذا هو الأسلوب والمنهج المتبع في معظم الدراسات الاستشراقية في القرن العشرين، فهي لا تتجه إلى الأساليب المباشرة، وإنما تتجه إلى تغليف الكلام.
وقد كتب جولدتسيهر (?) مئات البحوث عن الإسلام والمسلمين وعشرات الكتب الكبيرة، وأشهر كتبه " مذاهب التفسير الإسلامي " الذي يمثل نضجه الثقافي حيث كتب قبل ذلك " دراسات إسلامية " و " العقيدة والشريعة "، وهذا المؤلف المَجَرِي اليهودى أَثَّرَ على كثير من أساتذتنا الذين تكلموا عن تاريخ الحديث النبوي في مطلع القرن، واستمرت آراؤه تحظى باحترام العديد من الدارسين في الغرب هو و" شاخت " صاحب كتاب " أصول الفقه الإسلامي ". ولا يمكن في هذا البحث الوجيز استعراض كل ما قيل في هذا المجال وإنما المراد هو إيضاح أَنَّ الاستشراق وَإِنْ كان قد بدأ حركة دينية ثم تحول إلى حركة مقترنة بالسياسية بحيث اشتغل معظم المستشرقين بل كلهم إلا اليسير في دوائر المخابرات الأجنبية وخدموا وزارات الخارجية، وهذا معروف عن أساطينهم مِمَّا لا يُوَلِّدُ الشك في اقترانهم بالسياسة وأن ما يكتبونه يراد منه خدمة واقع سياسي، وأنه حتى بعد التطور الحديث من مطلع القرن العشرين وحتى الآن لازال يواصل خطاه، وأن مايبدو عليه من تعميق لبحوثه بالإفادة والاستثمار للعلوم الحديثة لن يخلصه من الإطار القديم المرسوم له، فأهداف طرح الشرق أمام الغرب بصورة مُشَوَّهَةٍ ثم عكس القضية لإضعاف ثقة المسلمين بأنفسهم، بدينهم، بماضيهم، هذا كله إضافة إلى زرع بذور العنصرية والتفرقة بين الأُمَّةِ الإسلامية بشتى الطرق.