يطلق عليها فيما بعد اسم الاستشراق أو المستشرقون، وكانت انطباعاتنا عن البعض أنه معتدل، فكان يقال لنا مثلا إِنَّ دانتي له تأثير كبير على نشوء الثورة الفرنسية، والتمهيد لها، ومعاداة الآراء الكنسية الباطلة والمخالفة للعلم، ودانتي الذي أُبرز والذي يعرفه ربما الكثير من العرب والمسلمين لأنه يأتي في المناهج الثانوية في كثير من الدول الإسلامية، ودانتي الذي ظهر لنا بمظهر الشاعر النابه صاحب " الكوميديا الإلهية " التي ربطت عن طريق الدراسات المقارنة بقصة الإسراء والمعراج، وربطت أحياناً في الدراسات الأدبية برسالة المعري " رسالة الغفران "، ودانتي قيل لنا إنه شاعر نابه وإن له تأثيرًا في مجرى التاريخ الإنساني، وإنه أحد المُمَهِّدِينَ للثورة الفرنسية - في رأيهم - مصدر الحرية والمساواة والتحرر الإنساني الذي يظنون أنه شمل أهل الأرض خلال القرون الأخيرة على إثر ظهور تلك الثورة.
دانتي يضع النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - في طبقة متأخرة من طبقات الجحيم، هذا الوجه الآخر من العملة لم يقولوه لنا، وإنما فقط قالوا لنا إِنَّ له أثراً إيجابياً، وعندما يقتنع الإنسان وهو صغير بأن هؤلاء هم نماذج الأبطال في التاريخ الإنساني، وإنهم هم رجال الفكر ورجال التحرر، ثم يأتي بعد ذلك - بعد أن يشب - ويقرأ مثل هذا الكلام لدانتي لن يغضب كثيرًا، لأن ماعرفه عن دانتي يخفف من هذا العمل، ولأنه لم يعرف شيئًا عن محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلماذا يغضب؟ ولكن يبقى أن أشير إلى ما ذكرته في البداية من كون خطاب دانتي بالفرنسية العالمية المستوى ليس موجهاً للعرب ولا للمسلمين، إنما هو في الأصل موجه لقراء الفرنسية، وأن المراد تشويه صورة محمد - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -بغية الخلاص مِمَّا كانت تظنه الكنيسة ويظنه مفكرو الغرب حتى أعداء الكنيسة غزوًا فكريًا إسلاميًا.