إنَّ تلمس كل حسنات الإسلام ومحاوله نسبتها إلى أصول يهودية أو نصرانية، هذا المنهج كان منذ البدء معمولاً به ولا يزال حتى الوقت الحاضر يظهر في عبارات المستشرقين المعاصرين، فالقضايا التي تتصل بتوحيد الإله، وبطرح العقيدة الدينية يشار فيها إلى أثر بَحِيرَا الرَّاهِبْ، وأثر ورقة بن نوفل، فكتب الحداد الذي لا نعرف اسمه - لأنه لم يصرح به - سواء في كتابه عن " المسيح والقرآن " أو " محمد والقرآن " أو كتبه الأخرى التى ظهرت حديثًا، وهذه الدراسات التى قيل إنها للأستاذ الحداد ركزت كثيراً على هذا الجانب وهو أن محمداً - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان على صلة بورقة بن نوفل خلال خمسة عشر عامًا، وكان هذا الوقت منذ زواجه بخديجة الذي يزعم الكاتب أَنَّ ورقة زوجه بها، وهو أمر طبعًا منقوض تاريخيًا لأنه معروف أن الذي زوجها هو عمها عمرو بن أسد، ولكن المهم إيجاد الصلة بورقة الذي يقول إنه كان نصرانيًا وكان على ثقافة كتابية، وأن محمدًا - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تلقى عنه الوحي الأول، ثم جاء الوحي الثاني في الغار.
هذه الكتابات الحديثة، هذه الرؤى ليست جديدة، وإنما منذ البداية كان المنهج يركز على أَنَّ حسنات الإسلام مقتبسة من سواه، لعدم إمكان إنكارها لأن القرآن جاء بها ولأن السُنَّةَ أثبتتها، إِذًا لا يوجد إلا طريق واحد وهو أَنْ يقال: نعم إن الإسلام فيه هذا الجانب ولكنه مأخوذ عن النصرانية بواسطة ورقة بن نوفل، والإسلام فيه هذه الحسنة ولكن الذي أوحى بها إنما هو بَحِيرَا الرَّاهِبْ وبعضهم يريد أن ينسب الأمر إلى بعض اليهود الذين كانوا في شبه الجزيرة العربية، ونحن نعرف تمامًا أن مكة لم يكن فيها يهود.
نعم هناك أوجه تشابه في القصص الديني بين ماورد في التوراة وشرحه التلمود، والإنجيل، وبين ما ورد في القرآن الكريم، ولكن هذا التشابه لا يعود إلى كون القرآن اقتبس تلك الصور عن التوراة والإنجيل، وإنما لكون الأصل