الهدف من الالتزام بالأخلاق عند المسلم هو إرضاء الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي ... أن يكون هدفه مدح الناس له؛ لأن ذلك يعد من الرياء، وكذلك لا ينبغي للعاقل أن يكون هدفه من وراء ذلك الكسب المادي فقط، والإسلام أيضاً يهدف إلى بناء مجتمع يقوم على التراحم والتعاون والإيثار وحب الخير للناس، من خلال علاقات حسنة مع الوالدين والأبناء، والأزواج، والأرحام، والجيران، وجميع المسلمين، بل وغير المسلمين، بل يتعدى ذلك إلى الحيوان والجماد، فالإسلام بحمد الله تعالى يهدف إلى حمل المسلم على التحلي بمكارم الأخلاق، والعيش في ظلها (?).
و (لدى التأمل في النصوص الإسلامية والمفاهيم العامة المقتبسة منها، نلاحظ أن الغاية من التزام فضائل الأخلاق والابتعاد عن رذائلها تنقسم إلى عنصرين:
العنصر الأول: اكتساب مرضاة الله تعالى الخالق الرازق المنعم المحيي المميت، الذي يجازي على الحسنة بأضعافها، ويجازي على السيئة بمثلها، فإنه سبحانه يحب فعل الخير، ويكره فعل الشر، ومن استطاع أن يرضي الله تعالى بعمله الصالح ظفر بمقدار عظيم من سعادة الحياة الدنيا في دار الابتلاء، وظفر بمقدار أجل وأعظم من سعادة الآخرة في دار الجزاء.
والتزام مكارم الأخلاق التي أمر بها الإسلام أو رغب بفعلها، واجتناب نقائص الأخلاق التي نهى عنها الإسلام أو رغب بتركها، من الأعمال الصالحات التي يظفر عاملوها بنسب من مرضاة الله تعالى ملائمة لمقادير أعمالهم ونياتهم، ولذلك يكون نصيبهم من سعادة القلب وسعادة الجزاء المعجل في الحياة الدنيا؛ على مقدار ما حققوا بأعمالهم ونياتهم من مرضاة الله تعالى، ويكون نصيبهم المضاعف من السعادة العظمى في الآخرة ملائماً لما حققوه بأعمالهم ونياتهم من مرضاة الله جل وعلا.
وباكتساب مرضاة الله تعالى تتحقق النجاة من الشقاوة والتعاسة، التي يجلبها الإنسان لنفسه بإسخاط ربه، فيما يقوم به من أعمال سيئات.
وهذا الجزاء المسعد لا يظفر به إلا من ابتغى مرضاة الله فأخلص له النية فيما يقوم به من صالح العمل.
هذا العنصر يتلخص:
أولاً: بالظفر بسعادة معجلة دنيا، وسعادة مؤجلة أبدية خالدة، وهاتان السعادتان تأتيان جزاء على أعمال صالحة ابتغى بها وجه الله تبارك وتعالى، وذلك لا يكون إلا مع الإيمان بالله.
ثانياً: بالنجاة من شقاوة يجلبها الإنسان لنفسه، بإسخاط ربه فيما يقوم به من أعمال سيئة، يخالف بها أوامر ربه ونواهيه.
العنصر الثاني: تحقيق أقساط من السعادة المستطاعة التحقيق في ظروف الحياة الدنيا، وهي أنواع السعادة التي تمنحها سنن الله ي كونه، الشاملة لجميع خلقه، من آمن به منهم ومن كفر به، والنجاة من أقساط من الشقاوة التي تجلبها الجرائم والجنايات وفق سنن الله في كونه، الشاملة لجميع خلقه، من آمن به منهم ومن كفر به.
والتزام قواعد الأخلاق الإسلامية كفيل بتحقيق أكبر نسبة من هذه السعادة للفرد الإنساني، وللجماعة الإنسانية، ثم لسائر الشركاء في الحياة على هذه الأرض وذلك بطريقة بارعة جداً يتم فيها التوفيق بالنسب المستطاعة بين حاجات ومطالب الفرد من جهة، وحاجات ومطالب الجماعة من جهة أخرى، ويتم فيها إعطاء كل ذي حق حقه، أو قسطاً من حقه وفق نسبة عادلة اقتضاها التوزيع العام المحفوف بالحق والعدل.
فمن الواضح في هذا العنصر أن أسس الأخلاق الإسلامية لم تهمل ابتغاء سعادة الفرد الذي يمارس فضائل الأخلاق ويجتنب رذائلها، ولم تهمل ابتغاء سعادة الجماعة التي تتعامل فيما بينها بفضائل الأخلاق مبتعدة عن رذائلها.