وروعة الأخلاق التي أرشد إليها الإسلام، تظهر فيما اشتملت عليه من التوفيق العجيب بين المطالب المختلفة للفرد من جهة، وللجماعة من جهة أخرى، وتظهر فيما تحققه من وحدات السعادة الجزئية في ظروف الحياة الدنيا، بقدر ما تسمح به سنن الكون الدائمة الثابتة، التي تشمل جميع العاملين، مؤمنين بالله أو كافرين، أخلصوا له النية أو لم يخلصوا.

بخلاف العنصر الأول فإنه لا يتحقق إلا لمن آمن بالله وأخلص له في العمل.

عناصر السعادة:

وحين تتساءل عن العناصر التي يشعر الإنسان فيها بالسعادة نجد أن أهم هذه العناصر مشاعر اللذات، ومشاعر الخلو من الآلام.

ولذات الجسد وآلام الجسد أهون اللذات والآلام قيمة، ولكنها تدخل ضمن الوحدات الجزئية التي تمنح الإنسان قسطاً من السعادة، كرذاذ سريع الجفاف ولا يملأ ساحة النفس والقلب والروح.

وفوقها تأتي لذات النفس وآلامها، فهي أعمق وأشمل، ومدة بقائها أطول.

وفوقهما تأتي الذات الروح وآلامها، فهي أعمق منهما، وأشمل منهما، وأبقى منهما.

وقد تطغى لذة النفس على ألم الجسد فلا يشعر الإنسان بألم الجسد، وقد تطغى لذة الروح على ألم النفس فلا يشعر الإنسان بألم النفس.

فمغانم السعادة تأتي على مقدار قيمتها الحقيقية.

وقد تطغى آلام النفس على لذات الجسد، فلا تكون للذات الجسد أية قيمة، وقد تطغى آلام الروح على لذات النفس، فلا تكون للذات النفس أية قيمة، فمصائب التعاسة والشقاء تأتي على مقدار قيمتها الحقيقية أيضاً.

فأعلى أنواع السعادة ما يأتي عن طريق لذات الروح، وينبع من داخل كيان الإنسان. وأشد أنواع التعاسة والشقاء ما يأتي عن طريق آلام الروح، وينبع من داخل كيان الإنسان، ولا يأتيه من خارج عنه. ودون ما يأتي عن طريق الروح ما يأتي عن طريق النفس، ودونهما ما يأتي عن طريق الجسد.

وهذا الذي نبهت عليه النصوص الإسلامية، هو ما انتهى إليه معظم عقلاء الفلاسفة والأخلاقيين والمفكرين المنصفين.

ومما لا ريب فيه أن أنواع اللذات كلها قد تساهم مساهمة ما في اغتنام أقساط من السعادة، ما لم تعارضها آلام أشد منها وأقوى وأدخل في أعماق كيان الإنسان. كما أن أنواع الآلام كلها قد تساهم مساهمة ما في الإصابة بأقساط من التعاسة والشقاء، مالم تعارضها لذات أشد منها وأقوى وأدخل في أعماق كيان الإنسان.

والإسلام لم يهمل أي نوع من أنواع اللذات والآلام، ولكنه قد أدخلها جميعاً في حسابه، ثم أقام قواعد التوفيق الأخلاقي على هذا الأساس.

وبالإضافة إلى ملاحظة اللذات والآلام لاغتنام أكبر قسط مستطاع من السعادة للفرد والمجتمع، أدخلت الأخلاق الإسلامية في حسابها – الذي أقامت عليه قواعد الأخلاق – المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، العاجل من كل ذلك والآجل للفرد وللجماعة، وأجرت بين المتعارضات منها موازنات وتوفيقات عجيبة، كفيلة بجلب أعظم نسبة مستطاعة من الخير، ودفع أكبر نسبة يستطاع دفعها من الشر، مع المحافظة على العدل بين ذوي الحقوق، ضمن ظروف هذه الحياة الدنيا.

وفي الشريعة الإسلامية وفرة من النصوص المشيرة إلى السعادة بوصفها غاية منشودة، وإلى اللذة بوصفها أمراً قد توجد به أو معه السعادة.

ووفرة أيضاً من النصوص المشيرة إلى الشقاء الذي يدخل الحذر منه واتخاذ الوسائل لتفاديه ضمن الغاية المنشودة، ومن النصوص المشيرة إلى الألم بوصفه أمراً قد يوجد به أو معه الشقاء.) (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015