هنالك فوائد وثمرات كثيرة تستفاد من دراسة علم الأخلاق منها:
(الثمرة الأولى: الدعوة إلى الله عز وجل، والذي يظن أن الناس تدخل في الدين فقط لأنهم يقتنعون عقلياً فقط، لا شك أنه مخطئ ...
وكثير من الناس يدخلون في الدين لأنهم يرون أن أهل هذا الدين على خلق، وأن الدعاة إلى الله عندهم أخلاق، والشواهد في هذا الباب كثيرة ... فالاستقامة على الأخلاق لها أثر كبير، ونفعها بليغ، ولا أدل على ذلك مما جاء في السيرة النبوية من أن أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم كانت محل إعجاب المشركين قبل البعثة، حتى شهدوا له بالصدق والأمانة.
عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: ((لما نزلت هذه الآية: وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ [الشعراء: 214]. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح هذا الجبل، أكنتم مصدقي؟ قالوا: ما جربنا عليك كذباً. قال: فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد)) (?).
وقد بدأ انعكاس الصور السلوكية الرائعة في تأثيرها في انتشار هذا الدين في بعض المناطق التي لم يصلها الفتح؛ إذ دخل في هذا الدين الحنيف شعوب بكاملها لما رأوا القدوة الحسنة مرتسمة خلقاً حميداً في أشخاص مسلمين صالحين، مارسوا سلوكهم الرشيد، فكانوا كحامل مصباح ينير طريقه لنفسه بمصباحه، فيرى الآخرون ذلك النور ويرون به، وليس أجمل منه في قلب الظلام، وبناء على ذلك الإقبال سريعاً دون دافع سوى القدرة الحسنة، فرب صفة واحدة مما يأمر به الدين تترجم حية على يد مسلم صالح يكون لها أثر لا يمكن مقارنته بنتائج الوعظ المباشر؛ لأن النفوس قد تنفر من الكلام الذي تتصور أن للناطق به مصلحة، وأحسن من تلك الصفات التمسك بالأخلاق الحميدة التي هي أول ما يرى من الإنسان المسلم، ومن خلالها يحكم له أو عليه ...
الثمرة الثانية: تقوية إرادة الإنسان، وتمرين النفس على فعل الخير وترك الشر، حتى تصبح سجية في النفس نحو الفضيلة حتى تتحقق السعادة، ولكن كم من الناس عن سعادتهم غافلون! وقد يحرمون نفوسهم من خير كثير بسبب قلة أدبهم ...
ما أجمل الأدب بالأفعال! فقد خاصم رجل الأحنف فقال الرجل: لئن قلت واحدة لتسمعن عشراً، فقال الأحنف: لكنك إن قلت عشراً، لم تسمع واحدة (?).
فالواجب على العاقل أن يحرص على تقوية إرادته، ويؤدب نفسه على الأخلاق الحسنة، ويحملها على العدل، ولا يكن أول الظالمين لها.
قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ [فاطر: 32].
فالظالم لنفسه هو المقصر في عمله تجاه ربه الذي أحسن إليه، أو نبيه، أو أحداً ممن يجب عليه بره، والمقتصد هو العامل في أغلب الأوقات، وأما السابق بالخيرات فهو العامل والمعلم لغيره والمجاهد لدينه.
فالواجب أن يكون لنفسه من أعدل الناس، فمن عدل مع نفسه، فهو العاقل السابق بالخيرات، ومن دساها فهو الظالم لنفسه.
قال الماوردي: (فأما عدله في نفسه فيكون بحملها على المصالح، وكفها عن القبائح، ثم بالوقوف في أحوالها على أعدل الأمرين من تجاوز أو تقصير. فإن التجاوز فيها جور، والتقصير فيها ظلم، ومن ظلم نفسه فهو لغيره أظلم، ومن جار عليها فهو على غيره أجور) (?) (?).