لقد سار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما كان عليه واتبعوا آثاره، وتخلقوا بأخلاقه، وعاشوا التقشف والزهد في أول أمرهم نظراً لقلة ذات اليد، ثم انتشر الإسلام وجاءتهم الغنائم وفتح الله عليهم، فلم تؤثر هذه الأموال التي اكتسبوها من الغنائم على زهدهم، بل استمروا على ما هم فيه من قناعة وتقشف، وهنا نذكر بعض النماذج من قناعة الصحابة وبعدهم عن الطمع:
- وعن عائشة قالت: (من حدثكم أنا كنا نشبع من التمر فقد كذبكم فلما افتتح صلى الله عليه وسلم قريظة أصبنا شيئا من التمر والودك) (?).
- وعن عامر بن عبد الله أن سلمان الخير حين حضره الموت عرفوا منه بعض الجزع قالوا ما يجزعك يا أبا عبد الله وقد كانت لك سابقةٌ في الخير شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مغازي حسنةً وفتوحًا عظامًا قال يجزعني أن حبيبنا صلى الله عليه وسلم حين فارقنا عهد إلينا قال: (ليكف اليوم منكم كزاد الراكب" فهذا الذي أجزعني فجمع مال سلمان فكان قيمته خمسة عشر دينارا) (?).
- وعن أبي العالية: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: ((من تكفل لي أن لا يسأل أحداً شيئاً، وأتكفل له بالجنة؟ فقال ثوبان: أنا. فكان لا يسأل أحداً شيئاً)) (?).
- وعن أبي هريرة، قال: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة ما منهم رجلٌ عليه رداءٌ، إما إزارٌ وإما كساءٌ، قد ربطوا في أعناقهم، فمنها ما يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين، فيجمعه بيده، كراهية أن ترى عورته) (?).
- وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - قوله: (لقد رأيت سبعين من أصحاب الصفة يشعر بأنهم كانوا أكثر من سبعين وهؤلاء الذين رآهم أبو هريرة غير السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بئر معونة وكانوا من أهل الصفة أيضًا لكنهم استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة (?)
- وعن الحسن قال: (كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان أميرا على زهاء ثلاثين ألفا من المسلمين، وكان يخطب في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها، فإذا خرج عطاؤه تصدق به، وأكل من سفيف يده) (?).
- و (التقى عبد الرحمن بن عوف وأبو ذر الغفاري، فقبل عبد الرحمن ما بين عيني أبي ذر لكثرة سجوده، وقبل أبو ذر يمين عبد الرحمن لكثرة صدقته. فلما افترقا بعث عبد الرحمن إليه ببدرة، وقال لغلامه: إن قبلها منك فأنت حر. فأبى أن يقبلها، فقال الغلام: اقبل رحمك الله فإن في قبولها عتقي، فقال أبو ذر: إن كان عتقك فيه ففيه رقي، ورده) (?).