ويكرم المتحملين المشاق فى هذه الدار من أجله وفى مرضاته بأفضل كرامته ويبين لخلقه الذي كانوا يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كاذبين.

وكذلك لم يقدره حق قدره من هان عليه أمره فعصاه، ونهيه فارتكبه وحقه فضيعه وذكره فأهمله وغفل قلبه عنه وكان هواه آثر عنده من طلب رضاه وطاعة المخلوق أهم عنده من طاعته. فلله الفضلة من قلبه وقوله وعمله وسواه المقدم في ذلك لأنه المهم عنده يستخف بنظر الله إليه وإطلاعه عليه بكل قلبه وجوارحه، ويستحي من الناس ولا يستحي من الله ويخشى الناس ولا يخشى الله، ويعامل الخلق بأفضل ما ما يقدر عليه، وإن عامل الله عز وجلّ عامله بأهون ما عنده وأحقره، وإن قام فى خدمة إلهه من البشر قام بالجد والإجتهاد وبذل النصيحة، وقد فرغ له قلبه وجوارحه وقدمه على كثير من مصالحه، حتى إذا قام فى خدمة ربه إن ساعده القدر قام قياماً لا يرضاه مثله لمخلوق من مخلوقاته، وبدا له منه ما يستحي أن يواجه به مخلوقاً مثله. فهل قدر الله حق قدره من هذا وصفه؟ وهل قدره حق قدره من شارك بينه وبين عدوه فى محض حقه من الإجلال والتعظيم والطاعة والذل والخضوع والخوف والرجاء؟ فلو جعل من أقرب الخلق إليه شريكاً في ذلك لكان ذلك جراءة وتوثبا على محض حقه واستهانة به وتشريكا بينه وبين غيره فيما لا ينبغي ولا يصلح إلا له سبحانه وتعالى، فكيف وإنما أشرك بينه وبين أبغض الخلق وأهونهم عليه وأمقتهم عنده، وهو عدوه على الحقيقة؛ فإنه ما عبد من دون الله إلا الشيطان كما قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ، وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ} [يّس:60ـ61] ، ولما عبد المشركون الملائكة بزعمهم وقعت عبادتهم في نفس الأمر للشيطان، وهم يظنون أنهم يعبدون الملائكة، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ، قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:40ـ41] فالشيطان يدعو المشرك إلى عبادته ويوهمهم أنه ملك، وكذلك

طور بواسطة نورين ميديا © 2015