عبّاد الشمس والقمر والكواكب يزعمون إنهم يعبدون روحانيات هذه الكواكب وهي التى تخاطبهم وتقضي لهم الحوائج؛ ولهذا إذا طلعت الشمس قارنها الشيطان لعنه الله تعالى، فيسجد لها الكفار. فيقع سجودهم له، وكذلك عند غروبها. وكذلك من عبد المسيح وأمه لم يعبدهما وإنما عبد الشيطان فإنه يزعم أنه يعبد من أمره بعبادته وعبادة أمه ورضيها لهم وأمرهم بها، وهذا هو الشيطان الرجيم لعنه الله تعالى، لا عبد الله ورسوله عيسى عليه السلام. ونزل هذا كله على قوله تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ} فما عبد أحدٌ من بني آدم غير الله كائناً من كان إلا وقعت عبادته للشيطان فيستمع العابد بالمعبود فى حصول غراضه ويستمتع المعبود بالعابد فى تعظيمه له وإشراكه مع الله الذي هو غاية رضا الشيطان ولهذا قال تعالى: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ} من إغوائهم وإضلالهم {وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ} [الأنعام:128] .
فهذه إشارة لطيفة إلى السر الذي لأجله كان الشرك من أكبر الكبائر عند الله، وأنه لا يغفر بغير التوبة منه، وأنه يوجب الخلود فى النار، وأنه ليس تحريمه وقبحه بمجرد النهى عنه، بل يستحيل على الله سبحانه وتعالى أن يشرع عبادة إله غيره، كما يستحيل عليه تناقض أوصاف كمال ونعوت جلاله، وكيف يظن بالمنفرد بالربوبية والإلهية والعظمة والجلال أن يأذن فى مشاركته فى ذلك أو يرضى به؟ تعالى الله عز وجل عن ذلك علواً كبيراً" انتهى ما نقلته.
فقف وتأمل كلام الشيخ رحمه الله، فإنه فصّل وبيّن أن الشرك شركان، شرك تعطيل لذات الرب ولأسمائه وصفاته وأفعاله، وشرك في عبادته ومعاملته، وذكر أن هذا أيضاً تعطيل لمعاملته على العبد من حقيقة التوحيد.