إذ هو غير ممتنع مع علمه بسؤال من سأله، والمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث من غيره، ممن هو أعلى منه، وليس لها في قلوب المسلمين غير ذلك، ولا يقصد بها أحد سواه، والمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى مستغاث، والغوث منه تسبباً وكسباً، ولا يعارض ذلك خبر أبي بكر الصديق رضي الله عنه: "قوموا بنا نستغيث برسول الله صلى الله عليه وسلّم من هذا المنافق. فقال صلى الله عليه وسلّم: إنه لا يستغاث بي إنما يستغاث بالله" لأن في سنده ابن لهيعة والكلام فيه مشهور، وبفرض صحته فهو على حد قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [لأنفال: من الآية17] ، وقوله صلى الله عليه وسلّم: "ما أنا حملتكم ولكن الله حملكم" أي أنا وإن استغيث بي فالمستغاث به في الحقيقة هو الله تعالى وكثيراً ما تجيء السنة بمحو هذا من بيان حقيقة الأمر، ويجيء القرآن لإضافة الفعل إلى مكتسبه كقوله صلى الله عليه وسلّم: "لن يدخل الجنة أحد بعمله" مع قوله تعالى: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل: من الآية32] .
وبالجملة فإطلاق لفظ الاستغاثة لمن يحصل منه غوث ولو تسبباً وكسباً أمر معلوم، لا شك فيه لغة ولا شرعاً، فلا فرق بينه وبين التوسل حينئذ، فتعين تأويل الحديث لا سيما مع ما نقل أن في حديث البخاري في الشفاعة يوم القيامة: "فبينا هم كذلك استغاثوا بآدم، ثم بموسى، ثم بمحمد صلى الله عليه وسلّم". وقد يكون مع التوسل طلب الدعاء منه إذ هو يعلم بسؤال من سأله، ويتسبب هو بشفاعته ودعائه وذكر ابن تيمية فيما تقدم أن المصنفين في أسماء الله قالوا: يجب على المكلف أن يعلم أن لا غياث ولا مغيث على الحقيقة إلا الله، وأن الإغاثة وإن حصلت من غيره تعالى فهو مجاز، وحقيقة له تعالى، وقال أيضاً: "والاستغاثة بمعنى أن يطلب منه ما هو اللائق بمنصبه، لا ينازع فيها مسلم، ومن نازع فهو كافر أو ضال". وهذا كما ترى محافظة على التوحيد واتباعاً للوارد، فالإنكار ساقط بهذا الاعتبار، وقد ذكر المجوزون أن جعل النبي والصالح متسبباً لا مانع من ذلك شرعاً وعقلاً، لأن ذلك كله بإذن الله تعالى، ومن أقر بالكرامة من الصالحين كما هو مذهب أهل السنة والجماعة وأنها بإذن الله لم