أحيناً، وقرّر أن هذا لا يدل؛ لأنّ التراخي والانتقاض مانع من الاستدلال، وأن مجرد الاقتران أحياناً ليس دليلاً باتفاق العقلاء إذا كان هناك سبب آخر، ثم تكلم في الأسباب، وقسم الناس فيها ثلاث فرق: مغضوب عليهم، وضالين، ومهتدين. ثم تكلم على الكرامات وقرّر أنّها فعل الله، وذكر شيئاً من الحكمة ثم قال: "وأما العلم بعلية السبب فله طرق في الأمور الشرعية، كما له طرق في الأمور الطبيعية، منها الاضطرار ـ وتكلّم على الأدعية الشرعية والاستجابة بها، وخرق العادة للداعي ـ.
ثم قال: "وأما اعتقاد تأثير الأدعية المحرمة فعامته إنما تجد اعتقاده عند أهل الجهل الذين لا يميزون بين الدليل وغيره، ولا يفهمون ما يشترط للدليل من الاطراد، وإنما تنفق في أهل الظلمات من الكفار والمنافقين، أو ذوي الكبائر الذين أظلمت قلوبهم بالمعاصي، حتى لا يميزون بين الحق والباطل.
وبالجملة فالعلم بأن هذا كان هو السبب أو بعض السبب أو شرط السبب في هذا الأمر الحادث قد يعلم كثيراً، وقد يتوهم كثيراً وهماً ليس له مستند صحيح إلا ضعف العقل، ويكفيك أنّ كل ما يظن أنه سبب لحصول المطلوب مما حرمته الشريعة: من دعاء أو غيره لا بد فيه من أحد أمرين: إما أن لا يكون سبباً صحيحاً، كدعاء ما لا يسمع وما لا يبصر ولا يغني عنك شيئاً، وإما أن يكون ضرره أكثر من نفعه، فأما ما كان سبباً صحيحاً منفعته أكثر من مضرته، فلا ينهى عنه في الشرع بحال، وكل ما لم يشرع من العبادات مع قيام المقتضي لفعله من غير مانع فإنه من باب المنهي عنه.
وأما ما ذكر في المناسك أنه بعد تحية النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه والصلاة والسلام يدعو، فقد ذكر الإمام أحمد وغيره: أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئلا يستدبره، وذلك بعد تحيته والصلاة والسلام عليه، ثم يدعو لنفسه، وذكروا أنه إذا حيّاه وصلّى وسلّم يستقبل قبلة وجهه بأبي هو وأمي.