صلى الله عليه وسلم فإذا أراد الدّعاء جعل الحجرة عن يساره واستقبل القبلة ودعا، وهذا مراعاة منه لذلك فإن الدعاء عند القبر لا يكره مطلقا، فليؤمر به كما جاءت به السنة فيما تقدم ضمنا وتبعا، وإنما المكروه أن يتحرى المجيء إلى القبر للدعاء عنده. وكذلك ذكر أصحاب مالك قالوا: يدنو من القبر فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم ثم يدعو مستقبل القبلة، يوليه ظهره، وقيل: لا يوليه ظهره وإنما اختلفوا لما فيه من استدباره. فأما إذا جعل الحجرة عن يساره فقد زال المحذور، وصار في الروضة أو أمامها؛ ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر فإن ذلك قد ثبت فيه النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم كما تقدم.

فلما نهى أن يتخذ القبر مسجداً وقبلة أمروا بأن لا يتحرى الدّعاء إليه، كما لا يصلي إليه. قال مالك في المبسوط: "لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ولكن يسلم ويمضى"؛ ولهذا ـ والله أعلم ـ حرفت الحجرة وثلثت لما بنيت فلم يجعل حائطها الشمالي على سمت القبلة ولا جعل مسطحاً.

وكذلك قصدوا قبل أن تدخل الحجرة في المسجد، فروى ابن بطة بإسناد معروف عن هشام بن عروة حدثني أبي قال: "كان الناس يصلون إلى القبر، فأمر عمر بن عبد العزيز فرفع حتى لا يصلي إليه الناس، فلما هدم بدت قدم بساق وركبة، قال: ففزع من ذلك عمر بن عبد العزيز، فأتاه عروة فقال له: هذه ساق عمر رضي الله عنه وركبته، فسرى عن عمر بن عبد العزيز".

وهذا أصل مستمر فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه، ألا ترى أن الرجل لما نهى عن الصّلاة إلى جهة المشرق وغيره فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها الرجل الصالح، سواء كانت في الشرق أو غيره. وهذا ضلال بين وشرك واضح، كما أن بعض الناس يمتنع من استدبار الجهة التي فيها بعض الصالحين، ويستدبر الجهة التي فيها بيت الله وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلّ هذه الأشياء من البدع التي تضاهي دين النصارى. ومما يبين لك ذلك: أن نفس السلام على النبي صلى الله عليه وسلم قد راعوا فيه السنة حتى لا يخرج

طور بواسطة نورين ميديا © 2015