عليه، وإذا أراد أن يرحمه ويدخله الجنة يسره لعمل أهل الجنة. والمشيئة الإلهية اقتضت وجود هذه الخيرات بأسبابها المقدرة لها، كما اقتضت وجود دخول الجنة بالعمل الصالح، ووجود الولد بالوطء، والعلم بالتعليم. فمبدأ الأمور من الله عزّ وجلّ وتمامها على الله، لا أن العبد نفسه هو المؤثر في الرب أو في ملكوت الرّب، بل الرّب سبحانه هو المؤثر في ملكوته وجاعل دعاء عبده سبباً لما يريده سبحانه وتعالى من القضاء، كما قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: "أرأيت أدوية نتداوى بها، ورقي نسترقي بها وتقى نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: هي من قدر الله عزّ وجلّ"، وعنه صلى الله عليه وسلم: "إنّ الدعاء والبلاء يلتقيان فيعتلجان بين السماء والأرض".
فهذا في الدعاء الذي يكون سبباً في حصول المطلوب، وأعلى من هذا ما جاء في الكتاب والسنة من رضى الله عز وجل وفرحه وضحكه بسبب أعمال عباده الصالحين، وما جاءت به النصوص؛ وكذا غضبه ومقته، وقد بسطنا الكلام في هذا الباب وما للناس فيه من المقالات والاضطراب في موضع آخر. فما فرض من الأدعية المنهي عنها سبباً فقد تقدم الكلام عليه، فأما غالب هذه الأدعية التي ليست مشروعة فلا تكون هي السبب في حصول المطلوب ولا جزءاً منه، ولا يعلم ذلك بل لا يتوهم وهماً كاذباً كالنذر، فإن في الحديث الصحيح عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه: "نهى عن النذر وقال: إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل" ـ وأطال الكلام في النذر، ومنع كونه سبباً، ثم قال ـ: بل إذا كان المبطلون يضيفون قضاء حوائجهم إلى خصوص نذر المعصية، مع أن جنس النذر لا أصل له في ذلك لم يبعد منهم إذا أضافوا حصول غرضهم إلى خصوص الدّعاء بمكان لا خصوص له في الشرع؛ لأن جنس الدعاء هنا مؤثر، فالإضافة إليه ممكنة، بخلاف جنس النذر فإنه لا يؤثر ـ ثم تكلم على منع كون الدعاء المبتدع سبباً، وأنه لا دليل عليه إلا الاقتران