الأسباب المحرمة لا خير محض ولا غالب، ومن كان له خبرة بأحوال العالم وعقل يتيقن ذلك يقينا لا شك فيه.
وإذا ثبت ذلك فليس علينا من سبب التأثير أحياناً فإن الأسباب التي يخلق الله بها الحوادث في الأرض والسماء لا يحصيها على الحقيقة إلا هو، أما أعيانها فيلا ريب، وكذلك أنواعها أيضا لا يضبطها المخلوق لسعة ملكوت الله سبحانه وتعالى؛ ولهذا كانت طريقة الأنبياء عليهم الصّلاة والسلام أنهم يأمرون الخلق بما فيه صلاحهم وينهونهم عما فيه فسادهم، ولا يشغلونهم بالكلام في أسباب الكائنات كما يفعل المتفلسفة فإن ذلك كثير التعب قليل الفائدة أو موجب للضرر، ومثل النبي صلى الله عليه وسلم مثل طبيب دخل على مريض فرأى مرضه فعلمه، فقال له: اشرب كذا، واجتنب كذا ففعل ذلك. فحصل غرضه من الشفاء. والمتفلسف قد يطول معه الكلام في سبب ذلك المرض وصفته وذمه وذم ما أوجبه ولو قال له المريض: فما الذي يشفيني منه؟ لم يكن له بذلك علم تام، والكلام في بيان تأثير بعض هذه الأسباب قد يكون فيه فتنة لمن ضعف عقله ودينه؛ بحيث يختطف عقله، فيتألهه إذا لم يرزق من العلم والإيمان ما يوجب له الهدى واليقين. ويكفي العاقل أن يعلم أن ما سوى المشروع لا يؤثر بحال فلا منفعة فيه أو أنه وإن أثر فضرره أكبر من نفعه.
ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطراً ضرورة لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له لصدق توجهه إلى الله وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا، ولو كان قد استجيب له على يد المتوسل به صاحب القبر أو غيره لاستغاثته فإنه يعاقب على ذلك ويهوي به في النار إذا لم يعف الله عنه فيوفقه لتوبة نصوح، كما لو طلب من الله عزّ وجلّ ما يكون فتنة له كما أن ثعلبة لما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو له بكثرة المال ونهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك مرة بعد مرة فلم ينته حتى دعا له وكان ذلك سبب شقائه في الدنيا والآخرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الرجل