ليسألني المسألة فأعطيه إياها فيخرج بها يتأبطها ناراً. قالوا: يا رسول الله، فلم تعطهم؟ قال: يأبون إلا أن يسألوني ويأبى الله لي البخل". فكم من عبد دعا دعاء غير مباح فقضيت حاجته في ذلك الدعاء وكانت سبب هلاكه في الدنيا والآخرة، تارة بأن يسأله ما لا يصح له مسألته كما فعل بلعام بن باعورا وثعلبة وخلق كثير دعوا بأشياء فحصلت لهم وكان فيها هلاكهم. وتارة بأن يسأل على الوجه الذي لا يحبه الله كما قال سبحانه: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (لأعراف:55) فهو سبحانه وتعالى لا يحب المعتدين في صفة الدّعاء ولا في المسؤال، ولكن حاجتهم قد تقضى كأقوام ناجوا الله تعالى في دعواتهم بمناجاة فيها جرأة على الله واعتداء لحدوده، وأُعطوا طلبتهم فتنة ولما يشاء الله سبحانه وتعالى بل أشد من ذلك ألست ترى السِّحْر والطلسمات والعين وغير ذلك من المؤثرات في العالم بإذن الله قد يقضي الله بها كثير من أغراض النفوس الخبيثة، ومع هذا فقد قال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ، وَلَوْ أَنَّهُمْ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ خَيْرٌ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (البقرة: 102 ـ 103) فإنهم معترفون بأنه لا ينفع في الآخرة وأن صاحبه خاسر في الآخرة وإنما يتشبثون بمنفعته في الدنيا. وقد قال تبارك تعالى: {وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ} (البقرة: من الآية102) . كذلك أنواع من الداعين السائلين قد يدعون دعاء محرماً يحصل معه ذلك الغرض، ويورثهم ضررا أعظم منه. وقد يكون الدعاء مكروها ويستجاب له أيضا، ثم هذا التحريم والكراهة قد يعلمه الداعي وقد لا يعلمه على وجه لا يعذر فيه بتقصيره في طلب العلم أو ترك الحق، وقد لا يعلمه على وجه يعذر فيه بأن يكون فيه مجتهدا أو مقلدا كالمجتهد والمقلد اللذين يعذران في سائر الأعمال المعذور فيها. وغيره قد يتجاوز عنه في ذلك الدعاء لكثرة حسناته، وصدق قصده، أو لمحض رحمة الله عز وجل به، أو نحو ذلك من الأسباب.

فالحاصل أن ما يقع من الدعاء المشتمل على كراهة شرعية قد تغفر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015