3) صقل تلك المعاناة لنفوسهم، فعزَّ العلم عندهم، ورعوه حق رعايته، ولذلك خرجوا أئمة أحبارًا في كل علم من العلوم، ولم يجدْ الزمان بأمثالهم، لمَّا لم يستنَّ النَّاس بسننهم.

انظر لحال طلبة العلم في عصرنا ممَّن يدرسون دراسة أكاديمية أو من دونهم، يقول الشيخ عبد الفتاح أبو غدة ـ رحمه الله ـ:

" فوازن ـ رعاك الله ـ بين الدراسة التي أثمرتها هذه الرحلات التي عركت الطلاب الراحلين عركًا طويلاً، وبين دراسة طلاب جامعاتنا اليوم! يدرسون فيها أربع سنوات، وأغلبهم يدرسون دراسة صحفية فردية، لا حضور ولا سماع، ولا مناقشة ولا اقتناع، ولا تطاعم في الأخلاق ولا تأسي، ولا تصحيح لأخطائهم ولا تصويب ولا تشذيب لمسالكهم، ويتسقطون المباحث المظنونة السؤال من مقرراتهم (المختصرة) ثمَّ يسعون إلى تلخيص تلك المقررات، ثمَّ يسعون إلى إسقاط البحوث غير الهامَّة من المقروءات، بتلطفهم وتملقهم لبعض الأساتذة، فيجدون ما يسرهم وإنْ كان يضرهم، وبذلك يفرحون.

وبعد ذلك يتعالون بضخامة الألقاب، مع فراغ الوطاب، ويوسعون الدعاوي العريضة، ويجهِّلون العلماء الأصلاء بآرائهم الهشة البتراء، وينصرون الأقوال الشاذة لتجانسها مع علمهم وفهمهم، ويناهضون القواعد المستقرة، والأصول الراسخة المتوارثة، ولم يقعدوا مقاعد العلم والعلماء، ولم يتذوَّقوا بصارة التحصيل عند القدماء! ولكنهم عند أنفسهم أعلم من السابقين!!

طور بواسطة نورين ميديا © 2015