إشارات من واقعنا وواقع سلفنا.
ولابد وقد مرَّ الحديث بخبر " الرحلة " عند سلفنا من إشارات نقف عندها لتستفيد بها ـ أيها المتفقه ـ فمن ذلك:
1) أنْ تبصر كم من الأوقات والأعمار قضاها هؤلاء في طلب العلم، بعيدين عن الأهل والولد، والزوجة والبلد، متفرغين للطلب.
وقارن هذا الحال وصنيع المتعالمين في هذا الزمان ممّن ينتسبون إلى العلم، وجلُّ اهتمامهم التصدر والعلو، فلا ينبت لهم زرع نافع.
فمنْ لا يعاني ذلَّ التعلم، ويقضي الأعوام في رعاية بذره فلن يحصد، ومن هنا كره كثير من السلف التصنيف قبل الأربعين، بل لم يُفتوا إلا في سن متأخرة، حفظًا للعلم من أن ينتهك حرمته من ليس له بأهل.
2) مدى تحملهم للصعاب، من فقر وشظف العيش، وصعوبة وسائل السفر، وانظر لتقاعس أبناء عصرنا عن الارتحال ولو بالسيارات التي عادت الآن أسوأ سبل السفر في ظل وجود الطائرات بأنواعها المختلفة، لتدرك علو هممهم في الصبر والتّحمل، وتعلم غلاء العلم لديهم وعلى قلوبهم، إذ ركبوا في تحصيله الصعب والذلول، وقطعوا البراري والقفار، وامتطوا من أجله المخاطر والبحار، ولقوا ما لقوا من الشدائد والأهوال ما الله به عليم، وحسبك من ذلك قصة الإمام أبي حاتم التي مرَّ ذكرها عليك.