شيخ، وآخر نيسابوري، فركبنا البحر، وكانت الريح في وجوهنا، فبقينا في البحر ثلاثة أشهر، وضاقت صدورنا، وفني ما كان معنا من الزاد، وبقيت بقية، فخرجنا إلى البر، فجعلنا نمشي أيامًا على البر، حتى فني ما كان معنا من الزاد والماء، فمشينا يوماً وليلة، لم يأكل أحد منا شيئاً، ولا شربنا، واليوم الثاني كَمِثْل، واليوم الثالث كمثل كل يوم، نمشى إلى الليل، فإذا جاء المساء صلينا، وألقينا بأنفسنا حيث كنا، وقد ضعفت أبداننا من الجوع والعطش والعياء، فلما أصبحنا اليوم الثالث جعلنا نمشى على قدر طاقتنا، فسقط الشيخ مغشياً عليه، فجئنا نحركه، وهو لا يعقل فتركناه، ومشينا أنا وصاحبي النيسابورى قدر فرسخ أو فرسخين فضعفت، وسقطت مغشياً علىَّ ومضى صاحبي، وتركني فلم يزل هو يمشي إذ أبصر من بعيد قومًا قد قربوا سفينتهم من البر، ونزلوا على بئر موسى صلى الله عليه وسلم، فلما عاينهم لَوَّح بثوبه إليهم، فجاؤا معهم الماء في إداوة ... فسقوه، وأخذوا بيده.

فقال لهم: رفيقين لي قد ألقوا بأنفسهم مغشياً عليهم، فما شعرت إلا برجل يصب الماء على وجهي، ففتحت عيني فقلت: اسقني، فصب من الماء في ركوة أو مشربة شيئاً يسيراً، وأخذ بيدى، فقلت: ورائى الشيخ ملقى.

قال: قد ذهب إلى ذاك جماعة. فأخذ بيدى، وأنا أمشى أجر رجلي، ويسقينا شيئاً بعد شيء، حتى إذا بلغتُ إلى عند سفينتهم، وأتوا برفيقي الثالث الشيخ، وأحسنوا إلينا أهلُ السفينة فبقينا أياماً حتى رجعت إلينا أنفسُنا، ثم كتبوا كتابًا إلى مدينة يقال لها راية إلى واليهم،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015