وأنت ـ أيها المتفقه ـ لابد لك من التعالي عن سفاسف الأمور، وأخذ الأهبة، والتحلي بإرادة لا يفلها الحديد، فأنت مقدم على أمر عظيم حاله، خطير شأنه، أنت مقدم لوراثة الأنبياء، والارتقاء لمراتب الأولياء الأصفياء، فلا يصلح لصاحب هذه المنزلة أنْ يحوم حول حطام الدنيا الزائف، ويجول قلبه في خيالات المحال والبهتان، فلا تزال أمواج الأماني الكاذبة والخيالات الباطلة تتلاعب به كما تتلاعب الكلاب بالجيفة، فهذه بضاعة كل نفس مهينة خسيسة سفلية، ليست لها همَّة تنال بها الحقائق.
فأصحاب الهمم السفلية تراهم يتكالبون على الحظوظ الفانية، من الجاه والسلطان، وحب الرياسة، والتطواف في البلدان لجمع الأموال والأثمان، أو الظفر بامرأة، ويظل مشغول القلب بأمانيه الزائفة، وتراه حائمًا في الأرض حيران يتمثل صورة مطلوبة في نفسه، وقد التذ بالظفر بها، فبينما هو على هذه الحال إذ استيقظ فإذا يده والحصير.
أما أصحاب الهمم العالية فيخبرك ابن القيم بحالهم يقول: وصاحب الهمة العالية أمانيه حائمة حول العلم والإيمان، والعمل الذي يقربه إلى الله، ويدنيه من جواره، فأماني هذا إيمان ونور وحكمة، وأماني أولئك خدع وغرور. (?)