المنطلق الثاني
(علو الهمة)
أيها المتفقه ..
لابد لكل سالك إلى الله من همَّة تسيِّره وترقيه، ومن علم يبصره ويهديه، والهمَّة في مدلولها ومعناها تعني توجه القلب وقصده، وأصحاب الهمم العالية من راموا بكليتهم سبيل الحق، فعكفت قلوبهم على الله، وجمعوا همتهم عليه، وفرَّغُوا القلب لمحبته، والإنابة إليه، والتوكل عليه، والاشتغال بمرضاته، دون كل ما فيه تفريق للقلب وتشتيت له.
يقول ابن القيم:
" وعلو الهمة أن لا تقف دون الله، ولا تتعوَّض عنه بشيء سواه، ولا ترضى بغيره بدلا منه، ولا تبيع حظها من الله وقربه، والأنس به، والفرح والسرور والابتهاج به، بشيء من الحظوظ الخسيسة الفانية، فالهمة العالية على الهمم كالطائر العالي على الطيور، لا يرضى بمساقطهم، ولا تصل إليه الآفات التي تصل إليهم فإنَّ الهمة كلما علت بعدت عن وصول الآفات إليها، وكلما نزلت قصدتها الآفات من كل مكان، فإنَّ الآفات قواطع وجواذب، وهي لا تعلو إلى المكان العالي فتجتذب منه، وإنَّما تجتذب من المكان السافل، فعلو همة المرء عنوان فلاحه، وسفول همته عنوان حرمانه ". (?)