من علاماتهم أيضًا:
وسِير علماءِ السلف مليئةٌ بالأخبارِ عن رَدِّهم عطايا الملوك والأمراءِ، وحفظِهم لجنابِ العلمِ، الدنيا تحتَ أقدامِهم لا يَسْعَوْن إليها، قد أَضَرَّ ببعضِهم الفقرُ فلم يَمُدَّ يدَه، ولا ابتاع بعلمِه شيئًا.
فهذا سَيِّدُ التابعين سعيدُ بن المسيب -رحمه الله- كان له في بيتِ المالِ بضعة وثلاثون ألفًا عطاءً، فكان يُدعى إليها فيأبى، وكان يتَّجرُ في الزيت، ويحمل إهابَ الشاةِ على ظهرِه، ويقول: لا خيرَ فيمن لا يريدُ جمعَ المالِ من حِلِّه، يُعطي منه حقَّه، ويكُفُّ به وجههُ عن النَّاس (?).
وهذا الخليلُ بنُ أحمدَ الفراهيديُّ إمامُ العَربيةِ ومبتكرُ عِلمِ العروضِ، كان وَرِعًا متقشفًا متعبدًا، أقام في خُصٍّ له بالبصرةِ لا يقدرُ على فلسينِ، وتلامذته يكسبون بعلمِه الأموالَ، وكان كثيرًا ما يُنشد:
وإذا افتقَرتَ إَلى الذَّخَائر لَمْ تَجدْ ... ذُخرًا يكونُ كَصَالحِ الأعمالِ (?)
وهذا الإمام أحمد الحبيبُ إلى قلوب المؤمنين، ربَّما يحتاجُ، ولو أشار ببنانِه لأتته العَطَايا من كُلِّ حَدَبٍ وصَوْبٍ، ولكنَّه كان يقول: عزيزٌ عليَّ أن تُذيبَ الدنيا أَكبَادَ رجالٍ وَعَت صدورُهم القرآنَ ..