وكان ينسخُ بأُجرةٍ، ويلتقط السنبلَ الذي تُخطِئُه المناجل، ويرهن نعلَه عند الخباز على طعام أخذه منه، ويبيع غزلًا تغزله له زوجه، ولربما أراد أن يرقع ثوبَه فلا يجد رقعةً، وربما يأخذ الكِسَرَ، ينفضُ الغبارَ عنها ويصيرها في قصعةٍ ويصبُّ عليها الماءَ، ثم يأكلها بالملحِ، فهذا طعامُه.
وأرك -أيها المتفقه- ربَّما تهمسُ أو تحدثك نفسُك تقولُ: هؤلاء سَلفُ الأمةِ، وقد تبدَّلَ الزمانُ، فإني آتيك بشهداء من عَصْرك يقيمون عليَّ وعليك الحُجة.
فقد رأيتُ بعيني رأسي شيخَنا العلامةَ ابنَ عثيمين وهو يمشي حافيًا، وهو من هو، وفي أي بلدة كان، وكان يأكل الخبزَ الجافَّ بالماءِ، ويُطعمُ إخوانه اللحمَ.
ومن علاماتهم أيضًا:
يقول شيخ الإسلام ابن تيميةّ -رحمه الله-: "ومن له في الأمةِ لسانُ صدقٍ بحيث يُثنى عليه ويحمد في جماهير أجناسِ الأمة، فهؤلاء أئمةَ الهدى ومصابيحُ الدُّجى" (?).
فالمسلمون هم شهداءُ اللهِ في أرضه، وفي الحديث أنَّ صحابةَ رسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - مَروا بجنازةٍ فأثنوا عليها خيرًا، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: "وَجَبَتْ". ثمَّ مروا بأخرى فأثنوا عليها شرًا فقال: "وَجَبَتْ".