والخشية أخصُّ من الخوف، فهي خوفٌ مقرونٌ بمعرفةٍ، ولذلك تواترت أخبارُ علماءِ سلف هذه الأمه في شدةِ خشيتهم لله ورقة قلوبِهم.

قال سويد بن سعيد: كنتُ عندَ سفيانَ، فجاء الشافعيُّ فسَلَّم وجَلَس، فروى ابن عيينةَ حديثًا رقيقًا، فغُشيَ على الشافعيِّ، فقيل: يا أبا محمد، مات محمدُ بن إدريس. فقال ابن عيينةَ: إن كان مات فقد مات أفضلُ أهلِ زمانِه.

وهذا الأوزاعيُّ كانت أمُّه تتفقدُ موضع مصلاه فتجدُه رطبًا من دموعِه طوالَ الليلِ.

وهذا إمامُ أهلِ السنة الإمامُ أحمدُ كان إذا ذكر الموت خنقته العَبْرَةُ، وكان يقول: الخوفُ يمنعني أكل الطعام والشراب، وإذا ذكرت الموتَ هان عَلَيَّ كلُّ أمرِ الدنيا، إنما هو طعامٌ دون طعامٍ، ولباسٌ دون لباسٍ، وإنها أيامٌ قلائلُ ..

فانظرْ لحالِ هؤلاءِ الأكابرِ، وقارنه بحالِ المتعالمين من عصرنا، ممَّن جَعَلوا العلمَ هو شحن الذهنِ بكمٍّ من المعارفِ والمعلوماتِ، لا أثرَ لها في القلب، وإنما يُعرفُ العلمُ بثمرته، لذا قال السَّلَف: إنَّما العلم الخشية، أمَّا نحن فصار الألحن بالقولِ المجادلُ بالكلامياتِ هو مَن يُشارُ إليه بالبنان، وصار هذا هو العالم فينا، والعلم إن لم يَظهرُ أثره على عَمل المرءِ فليس بذاك الذي تأمل، فتدبر هذه المسألةَ ملِيًّا، فقد تعثرت أقدامُ كثيرٍ من الإخوةِ في هذا الزمانِ بسبب ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015