الناطق إِلى التشبيه بالبهيم، فصانه وصان البيت والمسجد عن الشهرة، ولم يُبطل حكم لفظه بالمشي على اليدين، فأَبدلها بالرجلين التي هي آلة المشي.

قال ابن عقيل: وقد سئل أَحمد عن رجل ماتَ وخلَّف ولداً وجارية مُغَنية. فاحتاج الصبي إِلى بيعها. فقال: لا تباع إِلا على أَنها ساذجة، فقيل له: تساوي مُغنية ثلاثين ألفاً، وساذجة عشرين ديناراً. فقال: لا تباع إِلا على أَنها ساذجة. قال: وهذا فقه حسن من أَحمد، لأَن الغناء في الجارية كالتأليف في آلة اللهو، وذلك لا يقوم في الغصب، فلو غصب جارية مغنية، فنسيت الغناء لم يغرم.

قال: وسئل أَحمد عن سِمْسِم مبلول ماتت فيه فأرة. قال: يُعلف النواضِح. فقيل له: يُغسل مراراً حتى يذهب الماء عنه، فقال: أَليس قد ابتل؟! وذا فقه دقيق من أحمد، لأَن البللَ الذي حصل فيه لا يُدخِل عليه الماء الذي يُفاض عليه، لأَن الماءَ لا يُخْرج الماءَ، فانظروا فقه هذا الرجل ودقته.

قال: وسُئل أَحمد عن تَشميس دود القَزِّ ليموتَ في ذلك المنسوج عليه كيلا يعود فَيقرض ما عليه من القَز، فقال: إِذا لم يجدوا منه بُدّاً، ولم يريدوا بذلك أَن يُعذبوه بالشمس، فليس به بأس. وهذا من أَحمد فِقه كبير، حيث اعتبر في جواز التعذيب عدم قصدهم نفس التعذيب.

قال ابن عقيل: ولقد كانت نوادرُ أَحمد نوادرَ بالغٍ في الفَهم إِلى أَقصى طَبقة، فمِن ذلك أَن أَبا عُبيد قَصده، فقام من مَجلسه، فقال: يا أَبا عبد الله، أَليسَ قد رُوي: "المرءُ أَحقُّ بمجلسِه"؟ فقال: بلى، يَجلِسُ ويُجْلِسُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015