من وجهين: أحدهما: أن الدارقطني قال: لم يلق أبو حنيفة أحداً من الصحابة، وقال أبو بكر الخطيب: رأى أنس بن مالك. والثاني: أنه لقي الصحابة سعيد بن المسيب وغيره ولم يقدموهم عليه.

فإن قال أصحاب مالك: إنه لقى التابعين، بطل بالتابعين الذين لقيهم، فإنهم قد لقوا الصحابة وهو مقدم عليهم عندهم، فإن قالوا: هو عالم دار الهجرة فمسلم، إلا أن صاحبنا ضم علمه إلى غيره.

فإن قال أصحاب الشافعي: له نسب يلاصق نسب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قال عليه السلام: "قدموا قريشاً ولا تقدموها، وتعلموا من قريش ولا تعالموها". قلنا: قرب نسبه لا يوجب تقديمه في العلم على غيره، فإن عموم علماء التابعين كانوا من الموالي، كالحسن، وابن سيرين، وعطاء، وطاوس، وعكرمة، ومكحول وغيرهم، وتقدموا على خلق كثير من أهل الشرف بالنسب، لأن تقدمهم كان بكثرة العلم لا بقرب النسب. وقد أخذ الناس بقول ابن مسعود وزيد ما لم يأخذوا بقول ابن عباس.

فأما قوله: "قدموا قريشاً". فقال إبراهيم الحربي: سئل أحمد عن ذلك فقال: يعني في الخلافة، "ولا تعالموها": محمول على النبي صلى الله عليه وسلم. فإن قالوا:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015