اللحية بعلته، فلا يوصف ترك المندوب بكونه مخالفة للشرع. وعليه، فلو شاع عرف المسلمين في مكان بحلق الرجال لحاهم، وأصبح إعفاء اللحية شذوذا وشهرة، فموافقة العرف أوفق للسنة، إذ لا يحقق إعفاء اللحية حينئذ مصلحة مقصودة للشرع، وهو إعفاؤها إظهارا لتميز المسلم، وحيث إن الحكم المعلل بعلة يدور مع علته وجودا وعدما، وانتفت العلة هنا إذ انتفت مصلحة التميز، فتسقط بذلك فائدة الامتثال للأحاديث الآمرة بإعفاء اللحية. 4 – القدرة والتمكن والأمن على النفس أسباب معتبرة لامتثال إبراز المخالفة لغير المسلم في الهيئة الظاهرة، وقد يقتضي حال المسلم في مكان أو زمان أن يظهر موافقة غير المسلمين من أهل بيئته في العلامة الظاهرة، فيسقط في حقه مشروعية المخالفة في ذلك، بل لا يكون مذموماً حتى مع قصد المشابهة لهم إذا كان يفعل ذلك لمصلحة راجحة له في دينه، إذ الأمر الشرعي بذلك ورد في ظرف التمكن.5 – لو شاع إعفاء اللحية من مسلم وغيره في مجتمع، لم يؤمر المسلم بالحلق مخالفة لغيره، وإنما يطلب التميز بشرطه (وهو التمكن) بغير ذلك من الهيئات، ولا يكون إعفاء اللحية حينئذ من تلك العلامات الفارقة المطلوبة؛ وذلك من أجل أن الحسن في اتخاذها ذاتي؛ لذا اتخذها النبي صلى الله عليه وسلم في الوقت الذي كان اتخاذها فيه من عادة المشركين من أهل بيئته". إلى آخره مما يمكن مراجعته في كتابي "اللحية دراسة حديثية فقهية".وأما مرتكزات تحرير حكم هذه المسألة، فليست خارجة عن دلالات النصوص الواردة فيها، فهي:1 - إما فعل نبوي مجرد راعى فيه النبي صلى الله عليه وسلم عرف زمانه، فهذا يجب فهمه في إطاره، والأفعال النبوية المجردة لا تفيد فرضاً، وإنما يستفاد الفرض من خطاب الشارع بالأمر.2 – وإما نصوص أمرت بمخالفة غير المسلمين، على الوجه الذي تقدم ذكره من دلالتها، والذي لم يتجاوز حكمه الندب في باب الهيئات، والتي تعد اللحية مندرجة فيه، مما أحيل لتفصيله على الكتاب. وليس في مذاهب السلف ما تعرض إلى حكم حلق اللحية لا عن صحابي ولا تابعي، ولم ينقل فيه شيء في صدر الإسلام، ثم المذاهب الفقهية فيه مختلفة، فلا إجماع في ذلك يخشى من نقضه أو مخالفته.