يصح أن يجري في فهمها على مالا تعرفه، وهذا جار في المعاني والألفاظ والأساليب "6.
ومع ذلك فإن من الجدير بالذكر، أن التفسير باللغة – وكما تبيَّن من أهميته – لا يصح الاستقلال به وحده، بل لابد من سبقه بمصادر هامة في التفسير، بـ" أَنْ يُفَسَّرَ الْقُرْآنُ بِالْقُرْآنِ، فَمَا أُجْمِلَ فِي مَكَانٍ فَإِنَّهُ قَدْ فُسِّرَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ وَمَا اُخْتُصِرَ مِنْ مَكَانٍ فَقَدْ بُسِطَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ "7، وما أُطلق في مكان قُيد في غيره، وما كان عاما في موضع خُصص في موضع آخر وهكذا، فليس أعلم بمراد الله منه سبحانه، "فَإِنْ أَعْيَاك ذلك فعليك بالسنَّةِ فإِنَّها شَارِحَةٌ للقرآن وَمُوَضِّحَةٌ له؛ بل قد قال الإمام أبو عَبْدِ اللَّهِ محمد بن إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ: كلُّ ما حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ فهو مِمَّا فَهِمَهُ من القرآن"8، ولكون البيان عن الله من أهم وظائفه ? وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ?9، "وَحِينَئِذٍ إذَا لَمْ نَجِدْ التفسير في القرآن ولا في السنَّةِ رَجَعْنَا في ذلك إلَى أَقوال الصَّحابة ? فَإِنَّهُمْ أَدْرَى بذلك لِمَا شاهدوه من القرآن وَالأحوال الَتي اخْتَصُّوا بها; وَلِمَا لَهُمْ من الْفَهْمِ التَّامِّ والعلم الصَّحِيحِ والعملِ الصَّالِحِ"10، فقد كانوا ? كما وصفهم مسروق (ت63هـ) " كالغدير الذي يروي وارده"11، فليس أفضل فهما منهم لمعاني القرآن اللغوية وغيرها، فهم عرب خُلص يفهمون معاني الخطاب، ولو ورد لهم استشكال في فهم ألفاظه أو مدلولاته اللغوية لسألوا عنه، فكانت الحجية في أقوالهم لذلك، وهو ما نقلوه إلى تابعيهم ممن شرف بملازمتهم، فكان في (تواتر أقوالهم) لزوما لحجيتها، وهو ما أكده شيخ الإسلام بقوله:"أَمَّاإذَا أَجْمَعُوا عَلَى الشَّيْءِ فَلَا يُرْتَابُ فِي كَوْنِهِ حُجَّةً" 12، ثم أسباب النزول وقصص الآي: فإنه لايمكن "معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها، دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها"13، ولأن (مَعْرِفَةُ سَبَبِ النُّزُولِ يُعِينُ عَلَى فَهْمِ الْآيَةِ فَإِنَّ الْعِلْمَ بِالسَّبَبِ يُورِثُ الْعِلْمَ بِالْمُسَبِّبِ) 14، فيكون في ذلك دفع للإشكال، وتحقيق الفهم التام للآية.
يتبع .. بعون الله.
.................
1 - الإتقان للسيوطي: 555/ 2.
2 - السابق: 553/ 2.
3 - هو الإمام فخر الدين محمد بن عمر التميمي، المشهور بالفخر الرازي، قرشي النسب، أصله من طبرستان ومولده في الري ولها نسب، كان أوحد زمانه في المعقول والمنقول وعلوم الأوائل، من تصانيفه: مفاتيح الغيب، ومعالم أصول الدين، والمحصول في علم الأصول، وشرح أسماء الله الحسنى، وشرح سقط الزند للمعري، والسر المكتوم في مخاطبة النجوم وكثير غيرها، توفي في هراة سنة (606هـ).انظر الأعلام: 313/ 6.
4 - المحصول في علم أصول الفقه: 203/ 1.
5 - المستصفى: 344.
6 - الموافقات: 62/ 2.
7 - مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 195/ 13.
8 - نفسه.
9 - النحل: 44.
10 - مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 195/ 13.
11 - انظر المدخل إلى السنن الكبرى: 16. وإعلام الموقعين: 25/ 2.
12 - مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 198/ 13.
13 - انظر أسباب النزول للواحدي: 4/ 1.
14 - مجموعة الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية: 181/ 13.
ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[27 - 06 - 2008, 09:06 م]ـ
ثم عدم مخالفة المصطلحات الشرعية التي استحدثها الشرع الحنيف، أو أعطاها مدلولات لغوية جديدة: كالصلاة مثلا، التي هي في اللغة الدعاء، وفي الشرع تطلق على (المخصوص) من الأقوال والأعمال والصفات؛ فإن اختلف المعنى الشرعي واللغوي، أُخذ بما يقتضيه الشرعي، لأن القرآن نزل لبيان الشرع، لا لبيان اللغة إلا أن يكون هناك دليل يترجَّح به المعنى اللغوي فيؤخذ به*.
ولا شك أن عدم تقيد المفسر بهذه الأصول، وغيرها مما ذكره العلماء من قواعد التفسير الهامة، تُعرض صاحبها للانحراف والزيغ في بيان مراد الله عزَّ وجلَّ، وهو ما وَقَعَتْ فيه بعض الفرق الضالة كالباطنية والرافضة التي مُثِّلَ بنماذج من انحرافهم نحو قولهم:
" ? تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَب ٍ?1، هُمَا: أَبُو بَكْرٍ و َعُمَرُ.
¥