فإذن هذه المرحلة يمكن أن نجعلها مندمجة مع بعض، إذ لو قلنا له تعرَّف على أقوال المفسرين، لن يكون هناك كبير فائدة إلا أنه في هذه المرحلة يعرف أن هذه الآية فيها عشرة أقوال، وهذه الآية فيها ثلاثة أقوال، وهذه الآية فيها ليس فيها إلا قول واحد، فلن تكون مفيدة أو مشجعة له في أن يستمر في علم التفسير.
وبناءً على هذا نقول له إذن: حاول أن تدمج مع هذه قضية التعرف على أصول التفسير.
أهم ما يجب أن يعرفه طالب علم التفسير في هذه المرحلة فيما يتعلق بأصول التفسير هي:
ـ طرق التفسير، المعروفة بتفسير القرآن بالقرآن، وبالسنة، وبأقوال السلف، وباللغة.
ـ وأسباب الاختلاف في التفسير.
وهذه من أهم ما يتعلق بأصول التفسير؛ لأنه بمعرفته لأسباب الخلاف سيظهر عنده مُوجِبَات الأقوال، يعني: ما هو الُموجب لهذا القول، لماذا قال ابن عباس بهذا القول، ولماذا قال قتادة بقول مخالف له، فيجد أنه حينما يعرف أسباب الاختلاف أنه استطاع أن يعرف موجبات هذه الأقوال، ومن أين صدرت.
وسأذكر مثالًا لذلك في تفسير: ?يوم يكشف عن ساق?: معلوم أن ابن عباس وتلاميذه ذهبوا إلى أن المراد أن القيامة تكشف عن شدة وهول وكربة، وهذا التفسير لُغَوِيَّ، يعني مأخوذ من اللغة.
آخرون قالوا: ?يوم يُكشف عن ساق? قالوا: يكشف ربنا عن ساقه واستدلوا بالحديث الذي رواه الإمام البخاري: «يكشف ربنا عن ساقه»، وهذا مصدره الآن الحديث النبوي.
إذن الآن إذا أردنا أن نبحث: ما هو سبب الاختلاف؟
سبب الاختلاف هو اختلاف المصدر، فالذي اعتمد اللغة مصدرًا فسره بهذا التفسير، والذي اعتمد الحديث النبوي فسره بهذا التفسير.
وفي هذه المرحلة أتعرف على هذه الأسباب، وأعرف أنه ما يخرج من هؤلاء ـ خصوصًا السلف ـ ما يخرج منهم قول إلا وهناك مُوجِب أو سبب له، منها مثلًا ما ذكرته لكم.
ومن الأسباب ما قد تكون أسباب خفية، وهي أشبه بعلل الحديث، يطلع عليها المُتَمَرِّس في علم التفسير، ولا يطلع عليها الذي يقرأ قراءة سريعة، على سبيل المثال:
نجد مثلًا في قوله ـ سبحانه وتعالى ـ: ?الذين يؤمنون بالغيب? يُورِد الطبري عن الزهري قال: «الإيمان: العمل» فقط.
لماذا فسَّر الزهري الإيمان بالعمل؟
لأنه أراد أن يرد على المرجئة، لأنك إذارجعت إلى التاريخ في تلك الفترة، تجد أن الإرجاء قد برز وظهر، فيظهر لك بذلك:
ما هو موجب هذا القول؟
ما هو سبب القول به؟
ما هو سبب الاختلاف في التعبير عن تفسير الإيمان؟
وستجد أن القول بالإرجاء هو سبب ومُوجِب لمثل هذا القول.
من أصول التفسير المهمة: أنواع الاختلاف:
وهي التي اختصرها شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ باختلاف التنوع واختلاف التضاد، وهي التي ذكرها ابن جُزي الكلبي في اختلاف اللفظ والمعنى، وهي أيضًا التي ذكرها الشاطبي في موافقاته، ولكنه لم يفصلها مثل ما فصلها هؤلاء، ولكنه أيضًا نظَّر لها.
ومعرفة أنواع الاختلاف وما الذي يؤول إلى قول واحد، وما الذي يؤول إلى أكثر من قول، وإذا آلت الأقوال إلى أكثر من قول هل يمكن الجمع بينها على سبيل التنوع، أو هي تتضاد بحيث لا بد من الترجيح= كل هذه تحتاج إلى دِرْبة وممارسة، وسأذكر لكم أثرًا من كتاب الإمام ابن جرير الطبري يفيد كثيرًا جدًّا في هذا الباب، وهو باب أنواع الاختلاف، يعني: كيف نتعامل مع الاختلاف؟
من القضايا المهمة: قواعد الترجيح:
وقد خُدِمْنَا بها ـ ولله الحمد والمنة ـ بكتابة الدكتور حسين الحربي ـ حفظه الله ـ، وكذلك بكتابة الدكتور خالد السبت في قواعد التفسير، وإن كان كتاب الدكتور حسين أخص بما يتعلق بقواعد الترجيح، وقد اختصر كتابه، ويمكن أن يُستفَاد منه في التدريس سواء في الجامعات أو أيضًا في الدورات العلمية، ويكون الكتاب الكبير مرجعًا يمكن أن يستفيد منه الطالب ويراجع فيه.
هذه القواعد تمثل كيفية التعامل مع الاختلاف الواقع بين المفسرين.
وهذه بعض ما يمكن أن يُقَال في أصول التفسير.
هناك قضيتان مهمتان، لكنها تأتي في مرتبة أقل من هذا، والتعرف على مصطلحات المفسرين، خصوصًا إذا كانت مصطلحات تبنى عليها قضايا علمية، وقد انتشر الآن ـ مثلًا ـ أن النسخ عند السلف ليس كالنسخ عند المتأخرين، مثلًا:
¥