ملتقي اهل اللغه (صفحة 6166)

هذا لو لم يعرفه طالب العلم فإنه سيقع عنده إشكال، وكثيرًا ما يقرأ في بعض عبارات السلف: حينما يأتي مثلًا إلى من يقول من السلف:

?لابثين فيها أحقابا? يقول: نسخها قوله تعالى: ?فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا?.بلغ هنا

وأنت قد أخذت قاعدة أن الأخبار لا تُنْسَخ، فالذي سيقع عندك أنك ستقول: أخطأ فلان.

ولكن إذا عرفت أن مصطلحه في النسخ أوسع من مصطلح المتأخرين، وأنه يريد به أي رفع من معنى الآية، فإنه لن يقع عندك إشكال في مثل هذا، وسيكون صحيحًا.

ومعرفة مصطلحات المفسرين, وطرائقهم في التعبير عن التفسير أيضًا من القضايا المهمة.

من ما يمكن أن يطرح في هذه المرحلة:

القراءة في بعض الكتب التي لها علاقة بعلم التفسير، غير كتب التفسير، مثل كتب: معاني القرآن، أو كتب توجيه القراءات، هذه مهمة جدًّا في أن يقرأ فيها الطالب، وأن يتثقف من خلال هذه الكتب، وكذلك كتب الناسخ والمنسوخ، وكتب أسباب النزول، هذه كلها روافد يمكن أن يستفيد منها في حال قراءاته وستلاحظون أن الكم المذكور الآن لو أردنا أن نطرح الكم المذكور من الكتب، هو كثير جدًّا، فضلًا عن الكتب المتعلقة بعلوم القرآن.

ولهذا أقول:

إن هذه المرحلة هي مرحلة البناء الحقيقية لطالب علم التفسير.

ذكر بعض الكتب التي عنيت بذكر الأقوال:

لو أراد طالب العلم أن يطلع على الأقاويل فقط دون غيرها، فإن هناك عدد من الكتب التي تفيده في ذلك، ومن من الكتب التي عُنيت بالأقاويل تفسير الماوردي (النكت والعيون) وقد اعترض عليه العلماء بأنه ينقل أقوال المعتزلة، ولا يردُّ عليها، حتى إنه اتهم بالاعتزال بسبب هذا.

هناك كتاب استفاد منه وتخلص من هذه الإشكالية ـ إشكالية نقل أقوال المعتزلة ـ وهو «زاد المسير» لابن الجوزي، فإنه يذكر أقاويل المفسرين منسوبة إليهم، وهذا الكتاب «زاد المسير» كان أحد العُمَد التي يرجع إليها شيخ الإسلام ابن تيمية حينما يذكر أقوال المفسرين، وكان يُعني كذلك بتفسير ابن عطية، وتفسير ابن جرير، وتفسير البغوي، وتفسير ابن أبي حاتم، هذه من أكثر الكتب التي يرجع إليها حينما يريد أن يحرر خلافات المفسرين، ويذكر أقاويل مفسري السلف بالذات.

ويمكن أن يضاف إليها في معرفة الأقاويل كتاب الدر المنثور، وتفسير ابن كثير.

من الكتب التي يمكن أن يستفيد منها الطالب في هذه المرحلة، هي كتب المحررة في هذا العلم، تفسير ابن جرير الطبري، وتفسير ابن عطية الأندلسي، وتفسير ابن جُزَي الكلبي، وتفسير أبي حيان، وتفسير ابن كثير، وتفسير الطاهر بن عاشور أنا أذكر هذه الستة فقط الآن، وسأذكر لماذا ذكرت هذه الكتب؟

أما تفسير ابن جرير الطبري، فقد سبق أن ذكرت لكم أهميته خصوصًا في قضية تأصيل الوصول إلى المعنى ومعرفة طريقة مناقشة خلافات المفسرين، والقواعد العلمية التي سار عليها، ابن جرير الطبري.

وأما ابن عطية فتفسيره كما سماه «المُحَرَّر الوجيز»، وهو اسم على مسمى، ففيه تحرير بالغ جدًّا، وفيه عناية بتوجيه أقوال السلف، يمكن أن يستفيد منها طالب علم بالتفسير، لو جمعها، فإنه ستُكَوِّن عنده قاعدة في كيفية التعامل مع الأقاويل الأخرى التي لم يتطرق لها ابن عطية.

أضرب لكم مثالًا، ارجعوا إلى قوله تعالى: ?للسائل والمحروم? فقد ذكر أقوال السلف في المراد بالمحروم، واعتبر ذكر أقوالهم على أنها اختلاف محقق تخليط من بعض المتأخرين وقد نبه على أن تفسيرات السلف كلها من باب المثال للمحروم، فمن أصاب زرعه جائحه يُعدُّ محرومًا، من سُرق ماله يُعدُّ محرومًا، من لم يُعط من الغنائم: يُعدُّ محرومًا، إذن فهو جعل المحروم لفظًا عامًّا يندرج تحته هذه الأقاويل، وهي على سبيل المثال.

ولمَّا تُدرَّب على مثل هذه الطريقة، وغيرها من طرائق ابن عطية، يمكن أن تطبقها على أمثلة كثيرة، ويكون عندك دِربة ومُكنة في أن تطبقها على أمثلة كثيرة.

ومن لطائف ابن عطية في هذه الآية:

أنه ذكر عن عمر بن عبد العزيز أنه قال: المحروم: الكلب.

ونحن لو نظرنا إلى هذا القول لاستغربناه، إن لم نستبشعه، ونقول: إنه كيف الكلب المحروم؟!

قال ابن عطية يوجه هذا القول:

وكأنه أراد أن يضرب مثلًا لذات كبد رطبة، وليس مراده أن الكلب هو المحروم دون غيره، فأراد أن يضرب مثالًا للمحروم.

أيضًا أورد قولًا للشعبي: قال: أعياني أن أعلم ما المحروم؟

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015