ملتقي اهل اللغه (صفحة 6160)

وكانت هذه الفكرة تراودنا في الرياض، ولكن المبادرة لعملها تأخرت كثيرًا، ففرحت بوجود هذا النموذج لما طرحه الأخ عبد الله ـ حفظه الله ـ في الطائف، وعَمِلنا بعد ذلك في الرياض في مركز التفسير لقاءً شهريًّا لكنه لم يتسم بهذا الطابع الذي ترونه الآن من القضايا العلمية، فذهب إلى قضايا تنظيرية تتعلق بالتَّنْظِير لمستقبل الدراسات القرآنية، وهو مجال نحتاج إليه، وهذا جانب من التنوع في طرح الموضوعات في شتى المجالات المتعلقة بالدراسات القرآنية.

فأنا أقول: نحن تَبَعٌ لكم في هذا المجال، وأقول بأنكم قد شَحَذْتُم هِمَّتنا لكي نقومَ بمثل هذا العمل في الرِّياض، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يجعل ما نقوم به في هذه المجالس التي نقوم بها في الرياض، أن يردَّ غنيمتها وخيرها لأخي عبد الله ولمن كان معه ممن فتحوا هذه الديوانية.

أشكره مرة أخرى شكرًا خاصًّا على ما قدَّم، ولعله يعذرني في أن أعترضَ على بضع الأوصافِ التي ذكرها فيَّ، فأنا أقولها ـ ليس من باب التواضع الذي يراد به المدح ـ ولكني أقولها حقيقة أنني في نفسي لم أرَ مثل هذه الأوصاف التي ذكرها، وإن كنت دائمًا أقول أن كلَّ واحدٍ لا يستطيع أن يردَّ عن نفسه المبالغة إذا أراد أن يمدح غيره بما يرى فيه من محاسن، لكنني أتكلم عن نفسي صادقًا، وأرجو أن تأخذوا هذا عنِّي، أني أعتبر نفسي باحثًا، ولا أشك أن الله ـ سبحانه وتعالى ـ قد منَّ عليَّ بأن وفَّقَني إلى التقاط بعض النقاط التي غَفَل عنها بعض أهل التخصص، فأبرزتها، فظهر فيها إثارة علمية، وصارت تُتداوَل وتُناقش، هذا أجده ـ ولله الحمد ـ ولكن أرجو أن أصل إلى ما يُذكَر عنِّي، وأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن يغفر لي ولكم جميعًا في مثل هذه المقامات التي يقع فيها مثل هذا الثناء، وأنتم تعلمون أن النبي صلَّى اللهُ عليه وآلِهِ وسلَّم قد أرشدنا إلى أن لا يُثْنَى على الشخص في وجهه، وأنتم تعلمون أن ذلك قد يكون فيه نوع من المزلة لبعض الأقدام، فأسأل الله ـ سبحانه وتعالى ـ أن ينقذني وإياكم من مثل هذه الأمور.

أيًّا كان الأمر نرجع مرة أخرى إلى ما طرحه أخي عبد الله وطلبه في أن يكون اللقاء عن منهجية تَعَلُّم التفسير، وكيف يمكن أن يُتَعَلَّمَ التفسير.

قد يقول قائل: قبل أن نبتدئَ في هذه المحاضرة، وهو سؤال مهم يُطْرَح كثيرًا، وأنا أحس أن فيه نوع من الحرج، ولكن مَن يشاركني في التخصص يمكن أن يُوَافِقَنِي إلى حد بعيد في أننا حينما درسنا علم التفسير في الجامعات لم نخرج بحصيلة يمكن أن نقول أننا فهمنا أسس التفسير، وأصوله، ومناهجه، وطرائقه، ولكن كان من مِنَّة الله عليَّ أن بدأت أقرأ في تفسير الطبري ـ بالذات ـ بعد أن أخذت بعض أفكار وأصول من كتاب شيخ الإسلام ـ رحمه الله تعالى ـ لـ «مقدمة أصول التفسير»، أو من بعض تعليقات ابن القيم، أو تعليقات الشنقيطي، فكنت قررت في فترة ـ كما تعلمون هي فترة مرت علينا جميعًا إبَّان فترة الحرب العراقية على الكويت كانت سنة جاء فيها رمضان في عطلة غير مسبوقة وغير مقصودة لأجل الحرب.

فأخذت معي تفسير الطبري، وبدأت أقرأ في هذا الكتاب، فوجدت أن علم التفسير كلَّه في هذا الكتاب، وأن من أراد أن يتعلم التفسير فعليه أن يقرأ في هذا الكتاب لكي يتخرج به، ويعرف كيفية التعامل مع أقوال المفسرين، وكيفية التعامل مع الآيات، وكيفية الاستنباط، وكيفية الجمع بين الأقوال، هذا شيء لم نجدْهُ لمَّا كنَّا ندرس في الدراسات الجامعية، وأسفت كثيرًا على هذا.

بل مما يجعلني آسف كثيرًا، أنني لما بدأت أتمسك بهذا الكتاب وتقدمت إلى مرحلة الدكتوراه، في جامعة الإمام، سألني أحد مشايخي، وهو من أكثر المشايخ الذين دَرَّسُونا في الدراسات العليا واستفدنا منهم، سألني سؤالًا قال:

إذا أردت أن تُحَضِّر للطلَّاب، فما الكتب التي سترجع لها؟

فقلت له:

أرجع إلى ثلاثة كتب رئيسة: تفسير الطبري، والتحرير والتنوير، ومفردات الراغب الأصفهاني.

فعاب عليَّ رجوعي إلى تفسير الطبري، وقال:

ما الفائدة من تفسير الطبري؛ فتفسير الطبري مجرد آثار، فأنا كنت أظن أنه يستخبر، فقلت: لا، تفسير الطبري فيه آثار، وفيه آراء.

قال: أبدًا، تفسير الطبري أثري، وليس فيه آراء.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015