ثم أساس البلاغة للزمخشري، وهو خير معجم لتعليم الفصاحة، لأنه اشتمل على نماذج من فصيح القول وبليغ العبارات لا يَشْرَكُهُ فيها معجم آخر. وفي ذلك يقول صاحبه: ((ومن خصائص هذا الكتاب تخيّر ما وقع في عبارات المبدعين وانطوى تحت استعمالات المُفلقين، أو ما جاز وقوعه فيها، وانطواؤه تحتها، من التراكيب التي تملُح وتحسُن، ولا تنقبض عنها الألسُن، لجريها رَسْلاتٍ على الأسَلات، ومرورها عَذْباتٍ على العَذَبات)) [11] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn11).
ومما يمكن أن أن يستعان به لتنمية هذه الملكة والتمكن من ناصية اللغة كتب المختارات الأدبية والشعرية وهي كثيرة متنوعة، منها القديم ومنها الحديث، أشير فيما يأتي إلى بعض أسمائها عسى أن ينتفع الطالب بما يصل إليه منها:
- الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني.
- العقد الفريد لابن عبد ربه.
- زهر الآداب للحصري القيرواني.
- ربيع الأبرار للزمخشري.
- المستطرف من كل فن مستظرف للأبشيهي.
- مقالات الأدباء ومناظرات النجباء لعلي بن عبد الرحمن الغرناطي.
- من روائع الأدب للشيخ أحمد نصيب المحاميد.
- عيون الأشعار وروائع الأفكار للأستاذ هشام عبد الرزاق الحمصي.
- خير الأدب عند العرب للأستاذ هشام عبد الرزاق الحمصي.
- كيف تغدو فصيحًا عفّ اللسان د. محمد حسان الطيان.
إن كثرة المطالعة في هذه الكتب تعين الطالب بلا ريب على اكتساب ملكة اللغة، أما من أراد التخصص في هذا المجال فلا بد له من الرجوع إلى أركان هذا الفن – فن الأدب – التي ذكرها ابن خلدون في كلمته المشهورة: ((وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين، وهي أدب الكاتب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي، وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها)) [12] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn12).
وأنا ضامن لمن قرأ هذه الكتب الأربعة أن يغدو من أرباب الفصاحة والبيان والأدب والبلاغة فضلاً عن اكتسابه اللغة، على أن تكون قراءته لها قراءة تدبُّر وتبصُّر لا قراءة مطالعة واستجلاب للنوم.
ولعل خير من وصف هذه القراءة الأستاذ العلامة والأديب المتذوق محمود محمد شاكر رحمه الله – وهو بلا شك أحد شيوخ الفصاحة فيما أدركناه من زمن – وذلك حيث يقول واصفًا منهجه في القراءة وطريقته في التذوق: ((ويومئذٍ طويت نفسي على عزيمة حذَّاء ماضية، أن أبدأ وحيدًا منفردًا، رحلة طويلة جدًّا، وبعيدة جدًّا، وشاقَّة جدًّا، ومثيرة جدًّا. بدأت بإعادة قراءة الشعر العربي كله، أو ما وقع تحت يديّ منه يومئذٍ على الأصح، قراءة طويلة الأناة عند كل لفظ ومعنى، كأني أقلبهما بعقلي وأرزوهما "أي: أزنهما مختبرًا" بقلبي، وأجسُّهما جسًّا ببصري وببصيرتي وكأني أريد أن أتحسسهما بيدي، وأستنشي "أي: أشم" ما يفوح منهما بأنفي، وأسَّمَّع دبيب الحياة الخفيّ فيهما بأذني، ثم أتذوقهما تذوُّقًا بعقلي وقلبِي وبصيرتي وأناملي وأنفي وسمعي ولساني، كأني أطلب فيهما خبيئًا قد أخفاه الشاعر الماكر بفنِّه وبراعته، وأتدسَّس إلى دفينٍ قد سقط من الشاعر عفوًا أو سهوًا تحت نظم كلماته ومعانيه دون قصد منه أو تعمُّد أو إرادة)) [13] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn13).
أوردتُ هذا الكلام العالي ليقف طالب الفصاحة على طريقة أهل الفصاحة في تذوق الكلام الفصيح، إنها محاولة للتأسِّي، ومطاولة للتشبُّه، عسى أن نقرأ فننتفع، ونقلِّد فنفلح:
فتشبَّهوا إن لم تكونوا مثلَهُم إنَّ التشبُّهَ بالكِرامِ فَلاحُ
بقي أن أشير إلى أنه يحسن أن يُجمع إلى ما ذكرتُ من كتبٍ بعضُ دواوين الشعر القديمة لفحول الشعراء من أمثال المتنبِي وأبي تمام، فإن في الشعر ما لا يوجد في النثر من عذوبة اللفظ، وحلاوة الإيقاع، وجمال الصورة، وتدفُّق العاطفة، وهي أدعى للحفظ وأرجى للرواية والتمرُّس على الفصاحة [14] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn14).
ولعل خير ما أختم به هذه الفقرة كلمة لواحد من أرباب الفصاحة والذوق الأدبي الرفيع في زماننا هذا هو الأستاذ يوسف الصيداوي، يقول فيها: ((إن إحسان اللغة إنما يكون في مصاحبة القرآن والحديث، ونهج البلاغة وديوان زهير، وجرير والفرزدق والأخطل، وبشار وأبي العتاهية، وأبي تمام والبحتري والمتنبِي، وفي ملازمة الجاحظ، وأسألك بالله أن تستمسك بكتب الجاحظ فإنها ينبوع لغة وأدب لا ينضب، وفي ملازمة الأغاني فإنه مدرسة لطواعية المفردات في مواضعها من جَزْل التراكيب. فاستظهر الروائع من كل ذلك، واحفظها عن ظهر قلب كما تحفظ اسمك)) [15] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn15).
¥