ولا بدَّ من التنبيه هنا على ملاحظة في غاية الأهمية، وهي وجوب أن يكون المعلم متقنًا للغة لا يلحن فيما يلقِّن للطفل، وإلاَّ ضاع الجهد سُدى وانقلب الأمر ضررًا، لأن ما بني على فسادٍ فإلى فسادٍ يؤول، واللحن الذي يلقَّن للطفل سينقش في ذهنه وسيؤدي إلى قياس فاسد عنده.
وينبغي أيضًا أن يجمع المعلم إلى إتقانه للغة، تجويدًا لأصواتها، وإفصاحًا للنطق بها، وسلامة من آفات النطق، ومن طغيان بعض اللهجات العامية على لسانه، لأن الطفل سيحاكي ما يسمعه، فإذا سمع اللفظ مجوّدًا فصيحًا خاليًا من الآفات أدَّاه أحسن الأداء، وإلاَّ انطبع الفساد في ذهنه وبَعُد عن الفصاحة بُعْدَ معلمه عنها.
ـ[بنت محمد]ــــــــ[15 - 03 - 2009, 07:57 ص]ـ
2 - قراءة النصوص الفصيحة وحفظها:
ويكون ذلك بعد أن يشبَّ الطفل عن الطوق ويغدو قادرًا على القراءة، وعلى أن يباشر ذلك بنفسه، عند ذلك لا بدَّ من وضع قائمة من الكتب المشتملة على أفصح النصوص يقرؤها الطالب، ويتذوق ما فيها، ويصطفي ما يحسن حفظه، ويحلو ترداده، ليكون له زادًا يقيم به لسانه، ويُعلي بيانه، ولا بدَّ له في سبيل ذلك أن يتخذ كنَّاشًا أو كراسًا يكتب فيه اختياراته تمهيدًا لحفظها، وما أحسن ما قال في ذلك يحيى بن خالد لولده: ((اكتبوا أحسن ما تسمعون، واحفظوا أحسن ما تكتبون، وحدثوا بأحسن ما تحفظون، وخذوا من كلِّ شيءٍ طرفًا، فإنه من جهل شيئًا عاداه)) [7] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn7).
ولا ريب أن أول كتاب يتصدَّر هذه القائمة هو القرآن الكريم، فهو مفتاح العربية وبوَّابتها، والأساس المتين لكل راغب في إتقانها، وما أفلح من أفلح من أدباء العربية إلاّ بحفظهم للقرآن الكريم وتلاوتهم لآياته، وتذوقهم لبلاغته، ووقوفهم على روائعه وبدائعه، ورحم الله أستاذنا الأفغاني، إذ يقول: ((بين علوم القرآن الكريم وعلوم اللغة العربية ترابط محكم، فمهما تتقن من علوم العربية وأنت خاوي الوفاض من علوم القرآن فعلمك بها ناقص واهي الأساس، وقدمك فيها غير ثابتة، وتصورك للغة غامض يعرضك لمزالق تشرف منها على السقوط كل لحظة، وسبب ذلك واضح لكل من ألَمَّ بتاريخ العربية، فهو يعلم حق العلم أنها جميعًا نشأت حول القرآن وخدمة له)) [8] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn8). ومن هنا قيل: لولا القرآن ما كانت عربية.
يلي ذلك الحديث النبوي الشريف، وفيه من عيون البلاغة والفصاحة ما لا يوجد في كتاب قط، ولا غرو فصاحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفصح من نطق بالضاد، وجوامع الكلم التي أثرت عنه منهل ثرٌّ من مناهل الفصاحة والبيان، وفي ذلك يقول يونس بن حبيب: ما جاءنا عن أحد من روائع الكلام ما جاءنا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [9] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn9).
ثم نهج البلاغة لأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وكرَّم وجهه فهو مجمع من مجامع الفصاحة، لا تكاد تقرأ كلمة فيه إلاّ وتجد حلاوة فصاحتها وعذوبة بيانها في فمك وسمعك وقلبك.
وفي صاحبه يقول السيد الشريف الرضي رحمه الله: ((مشرع الفصاحة وموردها ومنشأ البلاغة ومولدها، ومنه عليه السلام ظهر مكنونها وعنه أُخذت قوانينها وعلى أمثلته حذا كل قائل خطيب، وبكلامه استعان كل واعظ بليغ، ومع ذلك فقد سبق وقصروا وتقدم وتأخروا، لأن كلامه عليه السلام الكلام الذي عليه مسحة من العلم الإلهي وفيه عبقة من الكلام النبوي)) [10] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn10).
ثم مجمع الأمثال للميداني، والأمثال اختصار للفصاحة، وتمثيل للبلاغة في أجمل صورها، وقديمًا عُرِّفت البلاغة بأنها الإيجاز، وما ثَمَّةَ أوجزُ من مثل.
¥