ـ[بنت محمد]ــــــــ[15 - 03 - 2009, 07:58 ص]ـ
3 - تعلم النحو الوظيفي والبلاغة:
النحو الوظيفي: مجموعة القواعد التي تؤدي الوظيفة الأساسية للنحو، وهي ضبط الكلمات، ونظام تأليف الجمل ليسلم اللسان من الخطأ في النطق والقراءة، ويسلم القلم من الخطأ في التأليف والكتابة.
أما النحو التخصصي فهو ما يتجاوز ذلك من المسائل المتشعِّبة، والبحوث الدقيقة التي حفلت بها الكتب الواسعة.
النحوُ يُصلِحُ من لسانِ الألكنِ والمرءُ تُكرمه إذا لم يلحنِ
والنحوُ مثلُ الملح إن ألقيته في كلِّ ضدٍّ من طعامك يحسنِ
وإذا طلبتَ من العلوم أجلَّها فأجلُّها عندي مقيمُ الألسنِ [16]
إن تعلم النحو يكسب الطالب مناعة ضد ما يعترضه من لحن أو خطأ في لسانه أو في قلمه، إنه سورٌ يحمي صاحبه من شر الانزلاق في هاوية الخروج عن الفصاحة، لأنه لا فصاحة للاحنٍ، ولا نجاة للمرء من اللحن إلاّ بتعلم النحو بعد اكتساب اللغة الصحيحة والاطلاع على أدبها وحفظ نصوصها كما أسلفنا، ومهما حفظ الطالب من نصوص وتعلم من أدب فلن يكون بمأمن من الخطأ إن هو لم يتعلم النحو، لأن تسرُّب الفساد اللغوي إلى كل شيء من حوله سيحول بينه وبين استقامة اللسان على سَنن واحد، مما قد يوقعه في اللحن، وهنا يبرز أثر النحو وتتضح أهميَّته إذ به يتبين الخطأ من الصواب، وبالاحتكام إليه يتَّضح نظام اللغة ووظيفة كل كلمة فيها.
وما كان وضع النحو أصلاً إلاّ لهذه الغاية، فقد كان فشوُّ اللحن الباعثَ الأول على وضع قواعد النحو واستنباط أحكامه، وقد عدَّ الأوائل تعلم النحو من المروءة، إذ روى ثعلب عن محمد بن سلام قوله: ((ما أحدث الناس مُروءة أفضل من طلب النحو)) [17] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn17). وقال شعبة: ((مثل الذي يتعلم الحديث ولا يتعلم النحو، مثل البُرنس لا رأس له)) [18] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn18). وكان أيوب السَّختياني يقول: ((تعلموا النحو، فإنه جمالٌ للوضيع، وتركُه هُجنة للشريف)) [19] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn19)، ولا جرم فاللحن عندهم ممقوت منبوذ، وصاحبه مكروه لا حرمة له: ((ليس للاحن حرمة)). وفي ذلك يقول علي بن محمد العلوي:
رأيتُ لسانَ المرءِ رائدَ عَقلِهِ وعُنوانَه فانظُر بماذا تُعَنْوِنُ
ولا تَعدُ إصلاحَ اللِّسانِ فإنَّهُ يُخبِّرُ عمَّا عندَهُ ويُبَيِّنُ
ويُعجِبُني زِيُّ الفَتى وجَمالُه فيَسقُطُ من عَينيَّ ساعةَ يَلحَنُ [20]
ومن أطرف ما يروى في استنكار اللحن واستهجانه أن أعرابيًا دخل السوق فسمع أهله يلحنون في كلامهم فقال: سبحانك اللهم يلحنون وترزقهم [21] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn21)؟!...
ولا بدَّ من الإشارة هنا إلى أن تعلم النحو وحده لا يكسب فصاحة ولا يثري لغةً، وإنما هو يقوِّم اللغة التي يكتسبها المرء مما تلقَّنه وسمعه من كلامها، وما قرأه ووعاه من نصوصها، وما زاوله وتمرّس عليه من فصيحها وبليغها، ثم يأتي النحو بعد ذلك ليحيطَ هذا كله بسورٍ منيع يحفظه، وبناء محكم يجمعه.
وهذا ما بيَّنه عالمنا الفذّ ابن خلدون حين أكَّد أن السمع أحد الأسس لتعلم اللغات، إذ عن طريقه ينغرس الحسّ اللغوي السليم ليصبح ملكةً طبيعية في الإنسان: ((وهذه الملكة إنما تحصلُ بممارسة كلام العرب وتكرره على السمع والتفطُّن لخواصّ تراكيبه، وليست تحصُل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل صناعة اللسان فإن هذه القوانين إنما تفيد علمًا بذلك اللسان ولا يفيد حصول الملكة بالفعل في محلها)) [22] (http://www.alukah.net/articles/1/601.aspx?highlight=%d8%b9%d8%a8%d8%af+%d8%a7%d9%84 %d9%84%d9%87+%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%86%d8%a7%d9%86&soption=0#_ftn22).
¥