العودة إلي أعلي عقدة الخواجةمن جهته، يري د. محمد حسن عبد العزيز عضو مجمع اللغة العربية وأستاذ علم اللغة بكلية دار العلوم أن ارتفاع نسبة الإقبال علي المدارس التجريبية واللغات التي تغفل تعليم اللغة العربية من أبرز عوامل ضعف اللغة بين الشباب، فهناك نحو 250 مدرسة أجنبية بمصر يتم الإعلان عنها بوسائل الإعلام باللغة الأجنبية نتيجة نبرة الاستعلاء بين بعض المعلنين عن هذه المدارس واستغلال نزعة التميز وعقدة "الخواجة" لدي كثير من العائلات علي حساب اللغة القومية.
إضافة إلي أن سوق العمل في مصر بدأت مع موجة الانفتاح الاقتصادي الاهتمام بالتعامل مع شركات متعددة الجنسيات، فصارت إعلانات الوظائف تطلب من يجيد لغة أجنبية -الإنجليزية غالباً- الأمر الذي جعل الآباء يرغبون في تعليم أولادهم اللغات الأجنبية، مما أدي إلي نوع من اضطراب الهوية الشديد عند الأجيال الجديدة "المتأمركة" لأن اللغة هي المعبر الأساسي عن هوية الفرد والمجتمع، مؤكداً أنه لا اعترض علي تعلم لغات أجنبية في مدارس وجامعات أجنبية بشرط عدم إحداث فجوة بين اتقان التلاميذ لكل من العربية والإنجليزية.
وأشار د. عبد العزيز إلي أن اللغة العربية تدهورت في المدارس، لأن كتب اللغة العربية التعليمية شتت التلاميذ منذ صغرهم بين مصطلحات وقواعد نحوية لا حصر لها، ويصعب علي هؤلاء الصغار فهم مضمونها، أو هضم محتواها الفلسفي والمنطقي للإعراب ودلالاته المعنوية، وبالتالي قد يدخلون في مرحلة نفور من قصور الفهم والحيرة والارتباك.
كما أن طباعة كتب اللغة العربية سيئة وفي ورق رديء بينما تصدر الكتب الأجنبية في أشكال جذابة يحبها التلميذ قبل أن يقرأها، أيضاً المختارات الدراسية عقيمة، فيها مدح وهجاء وتجاهل لأجمل ما في التراث العربي وأحبه إلي قلوبنا مثل الروميات لأبي فراس وحكم المتنبي وفلسفة أبي العلاء من أجل تدريس نماذج جافة مهجورة في التراث الجاهلي.
وأضاف أن اللغة ظاهرة اجتماعية تتغير بتغير العصور، بتبديل الكلمات التي لا نحتاج إليها وتغيير سياقها ومعناها.
وهنا التقط خيط الحديث صلاح محمود مدرس لغة عربية بالمرحلة الإعدادية ليعترف بوجود مهزلة كبري سواء في طرق التدريس القديمة التقليدية وقلة المدرسين القادرين علي التحدث بالفصحي طوال الحصص ليكونوا قدوة للطلاب ويدربونهم علي اتقان اللغة تحدثاً وكتابةً، أو في مستوي التلاميذ الذين صاروا يكتبون بلغات مبهمة تكثر فيها الكلمات الأعجمية والعامية و"التلغرافية" مع كثرة الوقوع في الأخطاء الإملائية كما لوكانوا يرسلون رسائل مشوهة عبرالإنترنت أو شرائط التراسل بـ"الموبايل علي الفضائيات".
وهم معذورون لأن الأسرة نفسها والمدارس الأجنبية لا تحثهم علي إجادة لغتهم الأم، ومظاهر الحياة من حولهم تدعوهم إلي الاغتراب الثقافي نتيجة غزو الإنجليزية لافتات المرور وأسماء الشوارع والمراكز التجارية والفنادق والشركات وغيرها دون مبالاة بتأثير ذلك علي شعورهم بهويتهم وانتمائهم.
والأدهي أن إخفاق الكثير من التلاميذ في اختبارات القراءة والكتابة بالفصحي من أسباب عدم حصول العديد من المدارس علي شهادات الاعتماد والجودة بسبب إهمال حصص الخط والإملاء.
كلمات متآكلة
وعن تأثير وسائط الاتصال والإعلام الحديثة علي لغة وقيم وسلوك الشباب، قال د. ناصر وهدان مدرس الفلسفة الإسلامية بتربية العريش جامعة قناة السويس إن الكمبيوتر والإنترنت والموبايل غيروا الكثير من مفردات التواصل بين الشباب العربي حتي نحت له لغة خاصة يستخدمها أثناء "الشات" وتبادل الرسائل الإلكترونية، ربما لسرعتها وسهولة استخدامها تقنياً، أو تعبيرها عن التميز والحرية ومرونتها في جلسات الفضفضة.
وفي هذه "اللغة" ظهرت كلمات متآكلة وحروف ناقصة وأخري مكررة وتراكيب مبهمة بين العربية والأجنبية وبين الفصحي والعامية ومزيج من الحروف والرموز والرسوم الكاريكاتيرية، بل تم استبدال بعض الحروف العربية التي ليس لها مرادف في الإنجليزية بالأرقام حيث أصبحت الحاء 7، والهمزة 2، والعين 3 وغيرها.
¥