وقد أقبلت على الشرق أيام تتظاهر فيها الأقدار على أن تسلم إليه قيادة مدنيته الجديدة بعد طول الابتلاء وجفاء الحرمان, وجاءت مع هذه الأيام فتن يخشى أن تضرب أوله بآخره حتى لا يقوم شيء هو قائم, ولا يبقى من أعلام الماضي إلا آثار التاريخ التي تقف شواهد على ما مضى وآيات لما يستقبل. فإذا كان ذلك, فإن الحكمة والحزم والجد أن نميز الخبيث من الطيب, وأن نختار لأنفسنا قبل البدء, وأن يلي منا أمر القيادة من هو حق صاحبها والقائم عليها والمحسن لتصريفها وتدبيرها وسياستها, وإلا انفلتت من أيدينا حبال الجمهور المتحفز, فانتشر على وجوهه وتفرق, وكأن ما كان لم يكن, وكأن الفرصة قد عرضت لنا لتدع في قلوبنا بعد ذلك حسرة لا تزال تلذع بالذكرى.
ـ[علي الحمداني]ــــــــ[07 - 05 - 2010, 10:50 م]ـ
وقال في مقاله "يوم البعث":
إن الشرق اليوم يجب أن يسأل سؤالا واحدا يكون جوابه عملا صارما نافذا لا يرعوي دون غايته, وهذا السؤال هو أول سؤال ينتزع إنسانية الحي من الموت الفادح, إذا كان الدافع إليه هو رغبة النفس في تحقيق إرادتها تحقيقا لا يبطل. من أنا؟ هذا هو السؤال, فإذا أخذ الشرق يسأل يحاول أن يصل إلى حقيقته المضمرة في تاريخه, فهذا بدء النصر على الأيام الخاملة التي غط غطيطه في كهوفها المظلمة.
ولكن البحث عن الحقيقة هو أبدا أروع شيء وأخوف شيء, فإن السائل شاك حائر, فإذا لم يستعن في حيرته بالسداد في الرأي وطول التقليب وحسن الاختيار وبالله التوفيق, فإن السؤال سوف ينزع به ويَنْبُثُ عليه ويأخذه ويدعه حتى تتحطم قوته على جبل شامخ قد انغرست فيه أشواك صخرية من الحصا المسنون, ويرجع مجرحا تدمى جروحه, يتألم ويتوجع ويشتكي قد أعياه الصبر على الذي يلقاه من أوجاعه.
فحاجتنا في البحث عن الحقائق التي يتطلبها هذا السؤال, أن نتدرع بقوة اليقين مما نحن مقبلون عليه من مجاهله ومنكراته, وأن نستجيش للنفس كل ما يزعها ويكفها عن الشك والتردد, وأن نقبل على دراسة أنفسنا بفضيلة المتعلم المتواضع, لا برذيلة المتعالم المتشامخ, فإن بلاء التعلم والدرس هو كبرياء الحمقى وغرور ذوي العناد والمكابرة.
والأمر كله الآن بيد الشعب أفرادا أفرادا, فإن العادة المستقبحة في هذا الشرق أنه يكل كل أمره إلى حكوماته التي أثبتت بوجودها إلى اليوم أنه لا وجود لها في حقيقة الحياة الشرقية. فالحكومات لا تستطيع أن تضع في روح الشعب هذا الإلهام الإلهي السامي الذي يشرق نوره على الإنسانية فيجلي لها طريقها, وينفي عنها خبثها, ويغسلها بأضوائه المنهلة من أعراض البلادة وجراثيم التفاني والانقراض.
ليس لشرقي أو عربي بعد اليوم أن يقف مستكينا يقول لحكومته: افعلي من أجلي يا حكومتي العزيزة!! بل يجب أن تكون كلمته: اعملي يا حكومتي فإذا أسأت فأنا الذي سيصحح أخطاء أعمالك الرديئة! ويجعل كل أحد منا همه ساميا إلى غاية, وأمله معقودا بغرض, ويبيت ليله ونهاره يتدارس في نفسه وفي أهله وفي عشيرته وفي شعبه, وفي التاريخ النبيل, وفي التراث المجيد حقيقة ما يجب أن يتعرفه من شُعَب هذا السؤال الواحد: من أنا؟؟
ـ[أحمد فاقي النعيمي]ــــــــ[25 - 12 - 2013, 11:00 ص]ـ
شكر الله لكمشكر الله لكمشكر الله لكم
جزاكَ الله في الدنيا سروا ... وفي الفردوس يمنحك الخلودا