ـ[علي الحمداني]ــــــــ[03 - 05 - 2010, 10:53 م]ـ
وقال الأستاذ محمود شاكر في مقاله: ويلك آمن!!!
المدنية الأوربية الحديثة هي التي استطاعت أن تنفذ بالعقل في ضمير الحياة تستنبط منه ناموس الحياة التي تدب على الأرض ومع ذلك فهي التي سلبت هذا العقل قدرته على الخضوع للروح لتمده بالنور المشرق الذي يستضيء به في رفع الإنسانية درجة بعد درجة إلى مراتب الملائكة, أي إلى مرتبة الروحانية الصافية التي تنهل أضواؤها على النفس والقلب والروح, فتروى من فيضها, وترث من ذلك نورا ورحمة وسكينة, وتنبت غرسها الإلهي الذي يجنيه الإنسان هداية وعدلا وسعادة, فتتضاعف به الحياة حتى يقوى الخير فيها ويضوى الشر.
لقد أخفقت هذه المدنية في سعيها لخير الإنسان, وأثبتت بكل دليل أنها مهما تكن أحسنت إلى الإنسانية فلم تحسن مرة واحدة أن تضبط نوازع النفس, وتردها إلى الطريق الواحد الذي ينبغي أن تصدر عنه, حتى تكون كل أعمالها نقية طاهرة متشابهة. ذلك الطريق هو طريق الروح الذي لا يتم لعمل تمام ولا يظفر بخلود أو بقاء, إلا أن يكون فيه مس الروح وطهارة الروح, وقدس الروح.
أطلقت هذه المدنية في الدم الإنساني كل ذئاب الشر والرذيلة, فخرجت من مكانها جائعة قد سلبها الجوع كل إرادة تحملها على بعض الورع الذي يكف منها, فعاثت في إنسانية الإنسان حتى جن, وتنزى في الأرض وحشا يجعل شريعته المقدسة تنبع أحكامها من معدته, ومن أحكام هذه المعدة ومطالبها, وكذلك انقلب النظام الاجتماعي في العالم من نظام روحي عقلي سام, إلى نظام اقتصادي تجاري ضار, الآكل والمأكول فيه سواء, لأن النية انقعدت في كليهما على الافتراس, وما الفرق بينهما إلا فرق القوة التي أعدت هذا للظفر, وأسلمت ذلك إلى العجز, فدفعت به على رحى تدور بأسباب من الطغيان والفجور.
وما هي شريعة المعدة في هذه المدنية الاقتصادية التجارية؟ هي شريعة السوق التي لا تعرف قيمة الشيء إلا في ميزان من الطلب. فما طلب فهو الجيد, وما عمى على الطالب فهو الرديء الذي لا قيمة له, وكل شيء قائمة في جوهره على النزاع الذي لا تسامح فيه, والأمر كله للغلبة: غلبة الأقوى, لا غلبة الأعدل, غلبة الحيلة لا غلبة الصدق, غلبة البراعة لا غلبة الحق.
ـ[علي الحمداني]ــــــــ[05 - 05 - 2010, 07:08 م]ـ
وقال في مقاله "أخوك أم الذئب! ":
إن الشرق لا يؤتى ولا يغلب إلا من قبل أهله. هذه هي القاعدة الأولى في السياسة الاستعمارية الماضية, فعملت هذه السياسة على أن تنشر في الشرق عقولا قد انسلخت من شرقيتها وانقلبت خلقا آخر, وقلوبا انبتت من علائقها ولصقت بعلائق أخر, وبهذه العقول المرتدة والقلوب المرتكسة استطاع الاستعمار أن يمد للشرق طريقا محفوفا بالكذب والضلال والفسوق, يختدعه عن الصراط السوي الذي يفضي به إلى ينبوع القوة الذي يتطهر به من شرور الماضي وأباطيل الحاضر, فيمتلك من سلطان روحه ما يستطيع به أن يهدم الأسداد التي ضربت عليه, ويجتاز الخنادق التي خسفت حوله.
لقد لقينا بهؤلاء العنت حين استحكم لهم أمر الناس فتسلطوا عليهم بالرأي وأسبابه, فخلعوا بسوء آرائهم على الشرق ليلا من الاختلاف لا يبصر فيه ذو عينين إلا سوادا يختفي إذ يستبين. وكانوا له قادة فاعتسفوا به كل مضلة مهلكة تسل من قلب المؤمن إيمانه, وتزيد ذا الريبة موجا على موجه. فلما كتب الله أن يدفع مكر هؤلاء بقوم جردوا أنفسهم للحق, رأوا أن يلبسوا للناس لباسا من النفاق يترقون به إلى التلبيس عليهم ما حذقوا من المداورة, وما دربوا عليه من فتن الرأي, وما أحسنوا من حيلة المحتال بالقول الذي يفضي من لينه إلى قرارة القلوب, حتى إذا استوى فيها لفها لف الإعصار, واحتوشها من أرجائها, ثم انتفض فيها انتفاض الضرمة على هبة الريح في هشيم يابس.
¥