ـ[رائد]ــــــــ[27 - 01 - 2011, 09:32 ص]ـ
مجامع اللغة العربية تنهض من غفوتها
دمشق: سعاد جروس
لم تمت مجامع اللغة العربية كما يتصور البعض، بل لم تتوقف عن العمل، لكن الزمن سبقها. أبو المجامع العربية في دمشق يقوم بخطوات خاصة، فهو يعقد المؤتمرات، ويشرك العلماء، كما يشكل اللجان من أجل وضع مفردات جديدة لمحاربة الألفاظ الأجنبية في المنازل والجامعات، وعلى قارعة الطرقات. ماذا يحدث في مجمع اللغة العربية في دمشق؟ هنا تحقيق من داخل المجمع.
المبنى المهاب الذي يشغله مجمع اللغة العربية في أحد أرقى أحياء مدينة دمشق يعبر عن المكانة التاريخية التي يتمتع بها المجمع في الذاكرة السورية. ولعل الهندسة الداخلية المستمدة من روح التراث الإسلامي تضفي على الهدوء المخيم على المكان شعورا بالسكينة والأمان المشابه لذلك الشعور الذي ينتاب المرء وهو يطأ عتبة المتاحف، أو الأماكن المقدسة خارج أوقات الصلاة. فثمة رهبة مشوبة بالخشوع لماض تليد ليس لنا سوى الاعتزاز به، لنتحايل على بؤس الحاضر. وحسبنا سماع الدكتور محمد مكي الحسني الجزائري، أمين مجمع اللغة العربية، وهو يلخص أهم المشكلات التي تعاني منها لغة الضاد من ناحية «تردي مستوى التعليم والأداء اللغوي واستخفاف المتعلمين بلغتنا الوطنية»، لنتساءل: ماذا يتبقى من الهوية الثقافية إذا كانت النخبة المتعلمة لا تحترم اللغة الوطنية؟
لا يذكر مجمع دمشق، أقدم مجامع اللغة في البلاد العربية، إلا ويذكر فضله الكبير في تعريب مؤسسات وهيئات الدولة وتعريب التعليم وإنشاء المدارس الأولى في سورية والدول العربية. فقد عاش هذا المجمع في طور نشأته منذ عام 1919 فترة ذهبية حين كانت نخبة المثقفين والعلماء العرب تجاهد من أجل استنهاض الهوية القومية كأحد أهم مقومات التحرر والاستقلال. وإذا صح أن النهوض السياسي يستدعي نهوضا ثقافيا، فإن الانتكاس السياسي للمشروع القومي أدى إلى انتكاس ثقافي تمثل في دور المجمع الذي عممت تجربته الناجحة في كثير من الدول العربية، وتحول اليوم إلى مؤسسة هرمة بالكاد يلحظ الإعلام وجودها. لذا عندما طرحت نائب رئيس الجمهورية الدكتورة نجاح العطار منذ نحو أربع سنوات ضرورة تفعيل دور مجمع اللغة العربية في دمشق، كان هناك من رأى في ذلك استحالة تشبه إعادة الروح للميت مع الأمل بمعجزة هي أشبه بمن «يحيي العظام وهي رميم».
فالمجمع الذي ترأسه عبر تاريخه عدد من أعلام وعلماء سورية أولهم محمد كرد علي (1919 - 1953) وخليل مردم بك (1953 - 1959) ومصطفى الشهابي (1959 - 1968) وحسني سبح (1968 - 1986) وشاكر الفحام (1986 - 2008) ومروان المحاسني (2008) تراجع حضوره في العقود الثلاثة الأخيرة، مع أنه استمر في إصدار مجلة فصلية تعنى بشؤون اللغة، وأخبار اتحاد مجامع اللغة العربية، وإقامة ندوات ومحاضرات، ووضع مصطلحات جديدة معاصرة.
المجمع لم يتغير، لكن العالم من حوله يتطور بسرعة تجعله يقف عاجزا عن ممارسة دوره. لذلك تنبه السوريون في العقد الأخير إلى ضرورة تفعيل دور المجمع ضمن عدة مشاريع تهدف إلى تمكين العربية، وفي المؤتمر التاسع للمجمع الذي عقد منذ نحو شهرين تحت عنوان «الكتابة العلمية باللغة العربية»، لوحظت مشاركة جيدة لمجامع اللغة العربية في الدول المجاورة، وتفعيل للأعضاء المراسلين في دول عربية وأجنبية. فإذا اعتبرنا ذلك مؤشرا على بدء تدفق الدماء في عروق هذه المؤسسة، فما الرؤية التي تحكم ذلك؟ رئيس مجمع دمشق الدكتور مروان محاسني قال في لقاء مع «الشرق الأوسط» إنه قبل أن يكون رئيسا للمجمع كان عضوا فيه منذ عام 1975 وأصبح نائبا لرئيسه الدكتور شاكر الفحام عام 2007، وحينها تقدم بمذكرات بما يعرفه عن «طاقات المجمع التي لم تظهر لجمهور الناس وللمثقفين على اعتبار أن الظروف التي أحاطت بالمجمع في السنوات الأخيرة لم تكن مشجعة على إنتاج كبير»، مشيرا إلى أن أهم ما لفت نظره حين كان نائبا للرئيس أن «المجمع يعمل كلجان مستقلة والروابط بينها شكلية حيث تقر في اجتماع المجلس السياسة العامة والتوصيات الإدارية». ويقول محاسني «تمنيت في ذلك الوقت أن ينقلب مجلس المجمع مجلسا علميا لا يتدخل في الأمور الإدارية وإنما يوجه سياسة المجمع اللغوية والإعلامية ويحدد بالتفصيل
¥