ولا ينبغي للمعلم أن يزيد متعلمه علي فهم كتابه الذي أكب علي التعليم منه بحسب طاقته وعلي نسبة قبوله للتعليم مبتدئا كان أو منتهيا ولا يخلط مسائل الكتاب بغيرها حتي يعيَهُ من أوله إلي آخره ويحصل أغراضه ويستولي منه علي ملكة بها ينفذ في غيره , لأن المتعلم إذا حصل ملكة ما في علم من العلوم استعد بها لقبول مابقي وحصل له نشاط في طلب المزيد والنهوض إلي ما فوق حتي يستولي علي غايات العلم ,وإذا خلط عليه الأمر عجز عن الفهم ,وأدركه الكلال وانطمس فكره ويئس من التحصيل وهجر العلم والتعليم والله يهدي من يشاء.
وكذلك ينبغي لك أن لا تطول علي المتعلم في الفن الواحد بتفريق المجالس وتقطيع ما بينها لانه ذريعة إلي النسيان وانقطاع مسائل الفن بعضها من بعض فيعسر حصول الملكة بتفريقها وإذا كانت أوائل العلم وأواخره حاضرة عند الفكرة مجانبة للنسيان كانت الملكة أيسر حصولا وأحكم ارتباطا وأقرب صِبغة لأن الملكات إنما تحصل بتتابع الفعل وتكراره وإذا تنوسي الفعل تنوسيت الملكة الناشئة عنه والله علمكم ما لم تكونوا تعلمون.
ومن المذاهب الجميلة والطرق الواجبة في التعليم أن لا يُخلط علي المتعلم علمان معا فإنه حينئذ قلَّ أن يظفرَ بواحد منها لما فيه من تقسيم البال وانصرافه عن كل حال منها إلي تفهم الآخر فيستغلقان معاً ويستصعبان ويعود منها بالخيبة وإذا تفرغ الفكر لتعليم ما هو بسبيله مقتصراً عليه فربما كان ذلك أجدر بتحصيله والله سبحانه وتعالي الموفِّق للصواب.
ولعل ماسبق من توجيه احرى ان يوجه به المعلم اكثر من المتعلم.
أما ما يتعلق بالطالب والمستفهم:
ويجب على الطالب في مراحل تعلّمه المختلفة بشكل عام وعلوم العربية بشكل خاص عدة أشياء.
الأول:
أن يختار شيخه: واختيار المعلم ليس مبينياً علي الهوي وسوء الظن وتقلب الأمزجة بل يراعي في معلمه الآتي:
شهادة أهل العلم له بالمعرفة والدراسة في النحو واللغة.
أن يكون منضبط المنهج, يعتقد اعتقاد المسلمين من أهل السنة
لأن غالب من نبغ فيه وفَحُلَ قد أصابه شئ من فَسَادِ الاعتقاد ,وفي هذا بحثٌ طويل لا مجال له في هذا الصفحات.
الثاني:
اختيار المتن: وعليه قبل أن يبدأ في التعلم باختيار المتن بمساعدة واحد من الذين سبقوه في تعلم اللغة ولابأس أن يختار له شيخُهُ, وكذلك لا يختار المتن بالهوي وتقلب الأمزجة فغالب من ينصح نصحه مصبوب على ما درس هو فقط لأنه لا يرى إلا هو, وهذا غلط.
ولا إنكار لأحد علي أحدٍ في اختيار المتن مادام مناسباً له وإلافهذا تعطيل وتثبيط.
الثالث:
التزهد والتورع والتزكية قبل وأثناء الولوج في تعلم النحو وتعليمه ,وذلك لأن لعلوم الآلة عامة وعلم النحو واللغة خاصة جِمَاحٌ وسلطان لايكبحه إلا الانكسار بين يدي الله تعالي.
وكذلك فساد لسان الناس واعوجاج كلامهم يؤدي إلي الانتقاص منهم فالزم واستعن بالله.
الرابع:
اختيار طريقة الدراسة على واحدة مما ذُكر آنفا فعَلي الطالب والمستفهم أن ينظر كل واحدٍ إلى ما يشبع نهمه ويستفيد منه فمِن الطُّلَاب من يفهم من مرة واحدة ويحتاج زيادة ويُمَارِنُ كثرةَ التفريعات والاستدراكات فهذا ينتفع من دراسة المتن.
ومنهم من لا يصلح معه ما صَلُح مع الأول فطريقة التقسيم أولى له وأسهل لتجمعَ عليه شمله وتُثبِّتُ له عقلة ,وكذلك لا ينكر أحدٌ على أحدٍ في طريقة تعلمه إلا مغررٌ به أو مُلَبِّسٌ إلا أن يكون معلماً فله النصح.
الخامس:
التمذهب في النحو: لابد لطالب العلم أن يعلم بأن التمذهب في النحو يختلف عن التمذهب في الفقه ,وإن كنت أتحرج في تسميته تمذهب وذلك لأن النحو مبنيي علي مدراس عدَّها بعضهم خمسة وعشرين مدرسة ومن أهم ما يفيد فيها كتاب المدراس النحوية للدكتور شوقي ضيف -رحمه الله-.
وكل هذه المدارس لم تقم نتيجه أختلافهم في فهم النصوص بل نتيجة اختلاف الأحرف عند العرب فللعرب لهجات ولغات لا حصرلها فعلى أيها تتمذهب؟
وإن كنت أري أن الكوفين هم أقرب الناس إلى تقريب معاني الجمل وإعرابها بشكل بسيط دون تأويل فاسد ولا تحريف ولا مانع من الاختلاف معهم فقد خالفهم جمع كبير من أهل اللغة في تقسيمهم للفعل على أنه ماضي ومضارع, والأمر من بطن المضارع وليس قسما برأسه.
فالأخذ بقول فريق لا يُسمي تمذهبا مادام أنه قد استدل علي ما يقول بالأدله الموجبة لذلك دون تأويل ولا تخريف.
وصلى الله على محمد واله وسلم.
وفي النهاية أعلن تقصيري وضعفي في طرح مثل هذه الأمور التي تحتاج الى عالم بمناهج التدريس وطرقه فأسأل الله التوفيق والسداد والإخلاص وأن يغفر لنا جرأتنا وذللنا وسبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا اله الا انت نستغفرك ونتوب اليك.
أبو عبد الرحمن الرويني
ليلة الاثنين. الثلاثين من ذي الحجة لعام اربعة وثلاثين واربعمئة والف.