ملتقي اهل اللغه (صفحة 5806)

وفصَّلَ القولَ فيها.

• سبب قلَّة المحصول اللُّغويِّ

بيَّنَ -رحمه الله- سببَ قلَّة المحصول اللُّغوي قائلاً: (وليس يخفَى أنَّ قلَّة المحصول اللُّغويِّ والعجز عن التَّصرُّف في الكلامِ إنَّما يرجع إلى قلَّة القراءة وضعف الزَّاد، فالأديب لكي يكتب أدبًا عاليًا جميلاً لا بُدَّ أن يكونَ علَى صلةٍ لا تنقطع بالقراءةِ، وأن يجعل من يومِه نصيبًا مفروضًا للمُراجعة والاستزادة، فالإبداع -كما يُقال في هذه الأيَّام- لا بُدَّ له من مددٍ، والمددُ ليس له إلاَّ طريقٌ واحدٌ؛ هو القراءة الرَّشيدة المستمرَّة، ثُمَّ التَّأمُّل).

• مُغالَطاتٌ، وخِداعٌ

يقولُ -رحمه اللهُ-: (وفي ذلك الطَّريق: جاءت مغالطاتٌ شتَّى، وجاء خداعٌ كثيرٌ، فقيل -مثلاً-: إنَّ العناية بتحسين العبارة أصباغٌ وزخارفٌ، وأنَّها تكون علَى حساب المعاني والأفكار، وأنَّ التَّفكير والموضوعيَّة يأبَيان الزَّخارفَ والأصباغَ، وأنَّ غايتهما الحقائق ليس غير، وقد تَبِعَ ذلك التَّفرقة بين الأسلوب الأدبيِّ والأسلوب العلميِّ، تفرقة تُفضي في نهاية الأمر إلى التَّهوين من الأسلوب الأدبيِّ، ووصف من يُحسن البيان بأنَّ كلامه «كلام إنشاء»، وقولهم في سياق المدح: إنَّ فلانًا يكتب كما يتكلَّم.

وقيلَ -أيضًا-: لا ينبغي التَّعامل بالكلام المأثورِ؛ حتَّى لا يجد القارئ نفسه يتعامَل في المنزل والشَّارع بلُغةٍ، وفي الكتاب بلُغة الشِّعر الجاهليِّ، وأنَّنا يجب أن نصطنعَ لغةً تُقرِّب الفجوة بين الشَّارعِ والكتابِ. وهذا كلامٌ غيرُ صحيحٍ -فضلاً عمَّا فيه من لعب وخِداع-؛ لأنَّ هذه الفجوة لا بُدَّ أن تكون قائمةً وثابتةً؛ ففي كُلِّ لغات الدُّنيا فرقٌ بين لغة العامَّة ولغة الخاصَّة ...

وقيلَ -أيضًا-: إنَّ أحسن الأساليب هو ما لايحتاج معه القارئُ إلى مُراجعة مُعجمٍ، وهذا مما يفتتنُ به الشَّبابُ المبتدئون، والكلام مقلوب، والقضيَّة معكوسةٌ، فإنَّنا إذا لم نُراجِعْ لبعض ما نكتب شيئًا من المعاجم؛ فإنَّنا نكون قد وقعنا في حمأة العاميَّةِ والكلام السُّوقيِّ، واستوَى في ذلك عالمُنا وجاهلُنا. ولماذا كانت المعاجمُ، ولأيِّ غايةٍ وُضِعَتْ؟).

• المحسِّنات اللَّفظيَّة وحُسْن البَيان

يقولُ الطناحيُّ: (ولقد كان من أشنع الخطإِ هنا وأغلظِه: الخَلْط بين المحسِّنات اللَّفظية وتحسين العبارة، وبينهما فرقٌ لا يخفَى، فالمحسِّنات اللَّفظيَّة هي أنماط تعبيريَّة محصورة في قواعد محدَّدة بشواهد معيَّنة، أمَّا تحسين العبارة -الَّذي هو البيان-؛ فمجاله واسعٌ رحبٌ، وهو قائم علَى أسباب كثيرة، من الغِنَى اللُّغويِّ، واختيار الأبنية الشَّاعرة المتجانسة، من الأسماء والأفعال والأدوات، وإحكام بناء الجُمَل وحُسْن تنسيقها، وإشاعة الأُلْفة بينها، وقُدرة الكاتب في ذلك كلِّه علَى أن يُنشئَ علاقة أُنسٍ بين قارئه وبين ما يكتب، إنَّ الكاتب المُبين يجعلُنا نحبُّ بعضَ الكلمات ونعشقُها، ترَى هذا في أسلوب الجاحظ، وأبي حيَّان التَّوحيديِّ (إذا نسي مشاكله النفسيَّة)، ومصطفى صادق الرَّافعي، ومحمود محمد شاكر.

وحُسن البيان لا يمنع من الإلمامِ بهذه المحسِّنات اللّفظيَّة إذا جرَتْ علَى قَلَمِ الكاتبِ في حاقِّ مواضعِها، غير متكلَّفة ولا مستكرَهة.

علَى أنَّ هذه المحسِّنات اللفظيَّة ليست سيِّئةَ السُّمعة، على نحو ما يُلقيه بعضُ أساتذة البلاغة على طَلَبتهم، وأنَّها قائمة على التَّكلُّف والتَّزييف، إنَّ المحسِّنات اللَّفظيَّة باب ضخمٌ من أبواب الجمالِ في البيان العربيِّ، وما يجيءُ منها مُتكلَّفًا يُعابُ ويُذَمُّ، كما يُعابُ التَّكلُّفُ في كُلِّ شيءٍ ويُذَمُّ، وكيف تُعابُ المحسِّنات اللَّفظيَّة جملة، وقد جاء منها في كلام ربِّنا -عزَّ وجلَّ- وكلام نبيِّه -صلَّى الله عليه وسلَّم- وكلام العرب وأشعارها قَدر صالحٌ، ألم تقرأ قوله تعالى: ?وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ? [الأنعام: 26]، وقوله -تباركت أسماؤه-: ?وجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ? [النمل: 22]، ثمَّ انظر: «المجازات النَّبويَّة» للشَّريف الرَّضيِّ، وشعر أبي تمَّام علَى وجه الخصوص).

• سخرية بعض أساتذة العربيَّة من البيانِ

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015