على أن الأمر لا ينتهى هنا، إذ تقول بطلتنا كارهة الرجال المتخلفين الرجعيين عدماء الضمير ظالمى النساء إن ذلك الأفاق مدعى الدفاع عن حقوق الإنسان قد أخرج منها أجمل ما فيها، وأراها الدنيا بعيون أخرى فبدت أحلى وأنضر وأجمل رغم كل ما قاله لها عن غرامياته وسفالاته الكثيرة، فقد سامحتْه رغم أنها، كما قالت، لم تكن تظن يوما أنها يمكن أن تتسامح فى أمر كهذا، كل ذلك فى عبارات وثرثرات من عبارات المراهقات التى تبرع فيها بطلتنا وتكرر بها نفس المعنى فى صور بهلوانية تستعرض فيها براعتها اللغوية دون أن تضيف جديدا سوى إملال كل من عنده ذوق أدبى ويعرف كيف ينبغى أن تكتب القصص والروايات.
ومع ذلك فإن الإنصاف يقتضينا القول بأن البطلة قد سجلت فى هذا الفصل عدة مشاهد قوية من القتل والدمار الذى أحدثه العدو الصهيونى فى جنوب لبنان، تصلح أن تكون تقريرا صحفيا جيدا. وفى هذا الفصل أيضا يغمى على البطلة، فيكون هذا الإغماء سببا فى تعرفها إلى حبيبها المحامى المصرى خالد الراوى، الذى كان مع زملائه من أعضاء لجنة حقوق الإنسان فى زيارة للبنان لرصد ألوان الدمار والتقتيل التى ارتكبتها إسرائيل فى حق اللبنانيين، إذ ذهب إلى المستشفى مع بعض زملائه كى يطمئنوا على الصحفية المصرية (بطلتنا) التى غُشِىَ عليها من كثرة ما شاهدت وسمعت من صور الدمار والقتل، فكانت هذه هى الخطوة الأولى نحو وقوعها فى غرامه.
إلا أن البطلة، حين ترسم بعض ملامح شخصيتها، يصيبها ما لاحظتُه من قبل عليها من أنها تقول الشىء ونقيضه، إذ بينما تصف نفسها بأنها طوال عمرها تمشى جنب الحائط، إن لم يكن داخل الحائط، إذا بها بعد سطور قليلة تقول عن نفسها إنها ليست امرأة تقليدية وإن من حولها يتهمونها دائما بأنها صاحب القرارات المجنونة. ثم تعود فى التو واللحظة إلى القول بأنها ليست من الجنون فى شىء وأنها لا يمكنها اتخاذ موقف غير تقليدى، لتخبرنا عقب ذلك بأنها، بعد عودتها من لبنان إلى مصر، لم تستطع صبرا على تجاهل المحامى خالد الراوى لها وعدم اتصاله بها، فتبادر هى إلى الاتصال به وتلح فى الاتصال أكثر من مرة إلى أن يرد عليها. كما أنها، بمجرد أن قابلت حبيبها فى مطار بيروت، قد نسيت كل ما يتصل بمهمتها التى سافرت إلى لبنان من أجلها، وهى التعرف عن كثب إلى ما أنزلته إسرائيل بالجنوب اللبنانى من تدمير وتقتيل، فلم تعد تتحدث عنها رغم هيامها بالثرثرة، وذابت للتو فى شخصية المحامى، الذى تقول لنا إنها كثيرا ما رأته فى أحلامها قبل أن تلقاه وتعرفه، وهو ما أثار استغرابها لتشابهه التام مع الشخص الذى كانت تحلم به حَذْوَك القُذَّة بالقُذَّة. ولا تسألنى عن معنى "القُذَّة" من فضلك، بل ابحث عنها مشكورا فى المعجم.
وفى هذا الفصل نحس أن البطلة تكاد تجن من حبها لخالد الرواى، الذى لا تستطيع أن تنساه لحظة، بل تروى لنا أنها تقضى يومها كله، سواء كانت بالمنزل أو بالخارج، فى التفكير فيه وفيما يفعل وفى غزواته الغرامية وفى رصد مشاعرها نحوه بالتفصيل فى ثرثرة وعبارات من عبارات المراهقين لا تنتهى، لتتحول فجأة، حين فتحت التلفاز فى إحدى هذه المرات لتخفف عن عقلها ضغط حبيبها الطاغى، إلى الحديث عن بغداد واحتلال العراق والقتلى والدمار والأمريكان وتحول الوطن العربى إلى بلاد تحتلها جنود العم سام، وتستمر فى هذا الاستطراد الذى لم يكن فى خطتها، بل عرض لها بغتة فأمسكت به لم تُفْلِتْه حتى نهاية الفصل، فأشعر أنا عندما وصلت إلى تلك النهاية بشىء من الراحة أنْ قد استطعتُ التنفسَ أخيرا من هذه الثرثرة المتلاحقة التى لا تعرف الهمود أبدا. ولا ينبغى أن ننسى أن كل هذا الكلام من أول الرواية حتى الآن إنما تم والبطلة جالسة فى حضرة الحبيب سرحانة كعادتها السخيفة. أما كيف ذلك فعلمه عند علام الغيوب!
¥