لماذا سكتت بطلتنا عن فتح موضع الختان، وهو من مكملات المشهد حتى تحلو القعدة وترتفع أسهمها عند مانحى صكوك التحضر والتنوير؟ لقد فاتت تلك المسألة بطلتنا هذه المرة. ولكن لا عليها، فالجائيات أكثر من الرائحات على رأى الكابتن محمد لطيف!
هذا، وما زلنا فى الفصل الرابع، وما زالت البطلة ماضية فى ثرثرتها والانصراف عن حبيب القلب الذى ظلت تنتظره الأعوام الطوال حتى شرَّف سيادته فانصرفت عنه مع ذكرياتها وخواطرها وسرحاناتها انصرافا غير حميد، انصرافا كله ثرثرة وقفز من موضوع لموضوع، وظلت هكذا طوال سبع صفحات كاملات لا تأتى لسيرته أبدا، ثم بدا لها أن تلتفت إليه بعض الالتفات فخصصت له ثلاث فقرات أخذت تتساءل أثناءها، فيما بينها وبين نفسها، عن عدد النساء اللاتى كانت له بهن علاقة قبل أن تعرفه، وكم مرة قبَّل تلك، وكم مرة نام مع هذه، وكم واحدة خدعها، وكم واحدة خدعته ... إلخ، لتتركه بعد ثلاث فقرات إلى الحديث عن بيروت والحرب هناك. سمك، لبن، تمر هندى!
ويلفت الانتباه أنها، فى آخر الفقرات الثلاث وقبل أن تترك حبيبها مرة أخرى إلى ذكرياتها وخواطرها، قد تحدثت عن اعترافاته لها بما صنعه مع من عشقهن قبلها من النساء قائلة إنها أخذت هذه الاعترافات على محمل الرغبة لديه فى التطهر من الآثام والتكفير عنها، ثم عقبت قائلة بنص عبارتها: "قال الرب: تعالَوْا إلىَّ يا جميع المتعَبين، وأنا أريحكم"، وهأنذا يا ربى متعبة وتائهة، فلتكن مشيئتك". وهكذا تكون الوحدة الوطنية، وإلا فلا. أفلا يقول النصارى إن المسيح هو الرب؟ فيجب عليها إذن هى المسلمة أن تقول عما هو منسوب فى الأناجيل إلى السيد المسيح عليه السلام: "قال الرب". أليس الاعتراف أمام القسيس عند النصارى فرصة للتطهر من الآثام ونيل الغفران؟ إذن فليكن مصارحة الحبيب لها بكل ما صنعه مع طوائف النساء اللاتى عرفهن قبلها فرصة لتطهره واغتساله من الآثام. ألا يقول النصارى فى صلواتهم: "فلتكن مشيئتك كما فى السماء كذلك على الأرض"؟ فينبغى أن تقول هى أيضا: "لتكن مشيئتك". وهذا يذكرنا بالممثلة صاحبة القول المشهور إنها تتعلم صحيح الدين من البابا شنودة، لأنه بابا النصارى والمسلمين جميعا. ومن نفس الإناء أيضا نضحت كلمات المرأة اللبنانية المسلمة التى ذكرت البطلة أنها، حين ذهبت إلى الكنيسة ووقفت أمام تمثال مريم عليها السلام، قد ابتهلت إليها قائلة: "أخذوا ابنك وصلبوه ... " مما يناقض قوله تعالى: "وما قتلوه وما صلبوه، ولكن شُبِّه لهم". وقد ذكَّرَتْ هذه الحادثة الأخيرة بطلتنا بما صنعته جدتها منذ سنين حين أخذتها إلى الكنيسة وناجت العذراء واستشفعت بالقديسة تيريزا. ترى أهذه رسالة أخرى تبعث بها بطلة الرواية لمن يهمهم الأمر؟
والعجيب، وكثير مما فى الرواية عجيب لا يدخل العقل ولا يحترم المنطق، أن بطلتنا التى لا تكف عن التبرم والتذمر من الظلم الواقع على أدمغة النساء من الرجال المستبدين الغاشمين عديمى الرحمة، أن بطلتنا المغوارة المتمردة على المجتمع المتخلف البطرياركى قامع النساء وآكل حقوقهن لا تجد أية معابة فى أن يكون حبيبها صاحب مغامرات نسائية لا تحصى ولا تعد، ويلعب بالبيضة والحجر، وكذابا مخادعا قراريا من الطرازالأول، إذ يوهم كلا من عشيقاته أنها هى وحدها التى يحبها وأنه لا يوجد على الحجر غالٍ سواها، ولا يسمح لأية منهن أن تعرف بوجود امرأة أخرى فى حياته، ومع ذلك كله تتهافت بطلتنا عليه وتبادر دائما إلى الاتصال به، فى الوقت الذى لا يتصل هو ولا يشغل نفسه بها. لو كان كلام بطلتنا عن رفضها للمجتمع الذكورى الظالم للنساء المسكينات صحيحا لرفضت هذا الأفاق الذى تتجسد فيها الذكورية بأجلى ما يكون، إذ هو لا يحترم المرأة، بل يلعب بها ولا يرى فيها إلا جسدا ومسلاة لتضييع الوقت، ويجمع العشيقات كما يجمع غيره طوابع البريد، ويخدعهن ويوهم كلا منهن أنها وحدها التى تسكن سويداء قلبه، ثم يتباهى أمام بطلتنا بهذا كله، فتقع صريعة هواه وتزداد تراميا على قدميه.
¥