ـ[(أبو إبراهيم)]ــــــــ[10 - 10 - 2011, 09:06 م]ـ
أحسنتم بارك الله فيكم ..
وإن سُمح لي أن أدلي برأيي هنا فأقول والله تعالى أعلم:
إن من وجوه البلاغة في الكلام ـ مما هو مسلَّم به ـ التنويع في العبارة والتفنُّن فيه تجنُّبا للتَّكرار الذي قد يفضي إلى ثقل في العبارة.
والقرآن ـ وهو كلام الله تبارك وتعالى ـ نزل بلسان عربي مبين، فهو موافق لسنن العرب في كلامهم، غير مخالف لهم فيما ألفوه من لسانهم، وما عهدوه من الفصاحة والبلاغة، وقد قال الله تعالى: ((وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم)).
ثم إن كلام الله تعالى قد بلغ الغاية في البلاغة والفصاحة، إذ هو كلام رب العالمين، الذي خلق العرب والعربية، وهو القائل سبحانه: ((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)).
وكان من معجزات خاتم النبيين صلى الله عليه وسلم أن تحدَّى الله تعالى أفصح العرب وأبلغهم أن يأتوا بمثل هذا القرآن أو حتى بآية مثل آياته، فعجزوا، وكان ذلك من دلائل صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو كان للقرآن مفردات خاصة وأساليب مغايرة لأساليب العرب لما صح هذا التحدي.
فالقرآن كلام عربي بليغ، لكنه يختلف عن كلام العرب في بلوغه غاية الكمال في الفصاحة والبلاغة، فليس من الغريب بعد ذلك أن يتضمن القرآن كل وجوه البلاغة وأساليبها في آياته.
وإذا كان التنويع في العبارة من وجوه البلاغة في كلام العرب، فما المانع من وقوعه في كلام الله عز وجل؟! إن كان ثمة مانع، أو كان يلزم من إثباته في القرآن لازم فاسد فيمنع، لا لذاته، وإنما لما يترتب عليه من الفساد.
ومن قال بالمنع فهي دعوى يجب إثباتها بالدليل، وإلا ردت.
فهذا من حيث أصل هذه المسألة، أما إذا جئنا ننظر في الآيات، ونوازن بين الأمثلة، فإننا نجد بأن النظر فيها يختلف باختلاف نظر كل ناظر وفهمه، وهنا لايصح لنا قصر الاختلاف في الألفاظ على مجرد التنويع حتى يكون حمل الكلام على غيره تكلفا، فإن صح توجيه الاختلاف بوجوه من البلاغة أخرى من دون تكلف أو تعسف قلنا بها واحتكمنا إليها، وإن جاز الجمع بين بعض الوجوه قلنا بذلك، وإلا فلا.
والله تعالى أعلم.
ـ[فيصل المنصور]ــــــــ[10 - 10 - 2011, 11:31 م]ـ
بورِكتَ يا أبا إبراهيمَ.
ما ذكرتَه هو الصوابُ الذي لا معدِل عنه.
ـ[الفارس]ــــــــ[22 - 11 - 2011, 11:25 ص]ـ
كلام جميل
وفائدة قيّمة
لكن ما الفرق بين (ولّى) و (أدبر)
في قوله تعالى (فلما رآها تهتز
كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب)
ـ[عبد الكريم عزيز]ــــــــ[22 - 11 - 2011, 01:23 م]ـ
أخي الكريم الفاضل: الفارس
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد،
القرآن الكريم كلام الله المعجز، وهو القرآن الحكيم، إنه محكم في بنائه إحكام الكون كله. ما من مفردة في النسق القرآني إلا ولها مدلولها الخاص بها، حيث لا يمكن أن نعوضها بمفردة أخرى في عالم المفردات. كل مفردة تؤدي الدور المنوط بها. فلا ترادف في القرآن الكريم. وإن بدت المفردة أقرب إلى أختها، فبينهما فروق دقيقة، قد نتوصل إليها عن طريق التدبر في القرآن الكريم. وإذا عجزنا عن ذلك، فالقصور يرجع إلينا، فما علينا إلا مزيدا من التدبر في كتاب الله المعجز.
ولنضرب مثالا على ذلك في الفرق بين " أدبر " و " وتولى "، فلنستمع إلى ابن عاشور حيث يقول:
" والتولّي: الإِدبار عن شيء والبعد عنه، وأصله مشتق من الوَلاية وهي الملازمة قال تعالى: {فولِّ وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144]، ثم قالوا: ولَّى عنه، أرادوا اتخذ غيره ولياً، أي ترك وَلايته إلى ولاية غيره مثل ما قالوا: رَغب فيه ورغب عنه، فصار «ولي» بمعنى: أدبر وأعرض، قال تعالى: {فأعْرِض عمن تولَّى عن ذِكرنا}
[النجم: 29] أي عامِلْه بالإِعراض عنه.
ففي التولي معنى إيثار غير المتولَّى عنه، ولذلك يكون بين التولّي والإِدبار فرق، وباعتبار ذلك الفرق عُطف و {تولَّى} على {أدبر} أي تدعو من ترك الحق وتولى عنه إلى الباطل. وهذه دقيقة من إعجاز القرآن بأن يكون الإِدبار مراداً به إدبارَ غير تَول، أي إدباراً من أول وهلة، ويكون التولي مراداً به الإِعراض بعد ملابسة، ولذلك يكون الإِدبار مستعاراً لعدم قبول القرآن ونفي استماع دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم وهو حال الذين قال الله فيهم: {وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن} [فصلت: 26]، والتولي مستعار للإِعراض عن القرآن بعد سماعه وللنفور عن دعوة الرسول كما قال تعالى:
{وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلاّ أساطير الأولين} [الأنفال: 31] وكلا الحالين حال كفر ومحقة للعقاب وهما مجتمعتان في جميع المشركين.
والمقصود من ذكرهما معاً تفظيع أصحابهما، وعلى هذا الوجه يجوز أن يكون متعلِّق {أدبر وتولى} متّحداً يتنازعه كلا الفعلين، ويقدر بنحو: عن الحق، وفي «الكشاف»: أدبر عن الحق وتولى عنه، إذ العبرة باختلاف معنيي الفعلين وإن كان متعلقهما متحداً.
ويجوز أن يقدر لكل فعل متعلِّقٌ هو أشد مناسبة لمعناه، فقدر البيضاوي: أدبر عن الحق وتولى عن الطاعة، أي لم يقبل الحق وهو الإِيمان من أصله، وأعرض عن طاعة الرسول بعد سماع دعوته. وعن قتادة عكسه: أدبر عن طاعة الله وتولى عن كتاب الله وتبعه الفخر والنيسابوري."
والله أعلم وأحكم
¥