ـ[عبد الله المخبت]ــــــــ[27 - 11 - 2011, 06:58 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ,
الفاظ اللسان العربي لا تتطابق ابدا بل قد تتقارب معاني بعضها. ان احد مقاييس بلاغة الكلام هو توظيف الألفاظ المتقاربة المعنى في سياقه بشكل يأخذ مكتملا في الاعتبار , هامش الاختلاف الدقيق بين دلالاتها. ولا ريب في ان القرآن الكريم هو ابلغ كلام عربي , لذا لا شك مطلقا في أن القرآن الكريم هو أكمل مَن يكون التمييز بين الدلالات المختلفة للألفاظ المتقاربة المعنى , موجودا في سياقه.
إن الفرق بين جاء وأتى , ظاهر وهو ان أتى تعني قصد المكان او الشيء فبلغَهُ. اما جاء فهي اعم من أتى وتعني قصد المكان او الشيء فبلغه او سيبلغُهُ. فنقول اتى مكة اي قصدها فبلغها ونقول جاء مكة اي قصدها فبلغها او سيبلغها وقد يبلغها وقد لا يبلغها.
ومن هذا الفرق الدقيق بين اللفظين نستطيع ادراك بعض بلاغة أستخدام كلٍ منها في القرآن الكريم. بل قد نستطيع معرفة لِمَ لم يأتِ الله عز وجل بصيغة الفعل جاء المضارعة يجيء في بعض الآيات القرآنية مثل ((قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا)) لذا فقد اثبتوا هنا وصول وبلوغ موسى عليه السلام مدينتهم اما إن قال من قبل ان تجيئنا ومن بعد ما جئتنا لدل على احتمال انهم أُوذوا من قبل ان يصلهم ومن بعد ما حاول ان يصلهم اي ان لا علاقة لموسى عليه السلام ولدعوته بما قرر فرعون ان يؤذيهم به. وذلك قطعا غير ما ارادوا. ولو كانت من قبل ان تأتينا ومن بعد ان أتيتنا لدل ذلك على امتعاضهم وعلى ان سبب الإيذاء هو وصول موسى عليه السلام والحق ان الإيذاء كان قبل عودة موسى عليه السلام اليهم بل قبل ولادته.
اما في قوله تعالى: ((أفلم يدبروا القولَ , أم جاءَهم ما لم يأتِ آباءَهم الأولينَ)) هو استفهام استنكاري يعني ألم يتدبروا القول او ان لهم قولا غيره (لم يبلغهم بعد , ينتظرونه) قولا لم يبلغ آباءهم الأولين. وعليه لو كانت هنا أتاهم بدل جاءهم لما كان لله تعالى دالةُ ان يستنكر عليهم. لأنه سيقر بوجود قول منه (تدبروه) بلغهم غير ما أتى به رسوله وغير ما بلغ آباءهم الأولين. ولو كانت هنا يجء آباءهم بدل يأت آباءهم فلا يكون المعنى صائبا لأن الآباء ماتوا والله علام الغيوب لم يذكر ان القول بلغهم ام لم يبلغهم , لذا يكون الأستنكار هنا ضعيفا بل غير جائز.
ولعل الفرق يظهر بشكل اوضح اذا تأملنا قولا الله تعالى (إذا جاء نصر الله والفتح) فهنا نصر الله تعالى موجود لكنه لم يبلغهم بعد وقد لا يبلغهم لو انهم عصوا الله تعالى فلما كان دوام طاعة الله من قبل المؤمنين اتاهم النصر. اما قوله (أتى امر الله فلا تستعجلوه) هو تأكيد من الله تعالى ان امره قادم لا محالة لكن في الوقت الذي حدده الله تعالى فلا تستعجلوه.