ملتقي اهل اللغه (صفحة 4322)

لَيْتَ شِعْرِي, وَأَشْعُرَنَّ إِذَا مَا ... قَرَّبُوهَا مَنْشُورَةً وَدُعِيتُ

أَلِيَ الْفَضْلُ أَمْ عَلَيَّ إذا حُوسِبْتُ? ... إِنِّي عَلَى الْحِسَابِ مُقِيتُفإن معناه: فإني على الحساب موقوف، وهو من غير هذا المعنى".

وهو ماذهبتَ إليه- حفظك الله- في تنبيهك للفظة موقوف، وذكره الثعلبي 427هـ في كشفه بقوله:" أي موقوف عليه وقال الفرّاء: المقيت المقتدر أن يعطي كل رجل قوته". وكذا ابن عادل880هـ في لبابه بقوله:" فقال الطَّبَرِي: إنه من غَيْر هَذا [المعنى المتقدِّم، فإنه بمَعْنَى الموقوف،] فأصْل مُقِيت: مُقْوِت كمُقِيم.

وتلاحظ –رعاك الله- أنه – أي الطبري- لم ينفي معنى القوت، بل نفى ما ورد في الشاهد الشعري، واعتبره خارجا عما يدور التفسير عليه.

لكني وجدت بعض كبار المفسرين كابن عطية546هـ في محرره الوجيز، وقد سبق ذكر أبي حيان754هـ في قوله:" وقال الطبري في قوله: إني على الحساب مقيت، إنه من غير هذه المعاني المتقدّمة، وإنه بمعنى موقوت. وهذا يضعفه أن يكون بناء اسم الفاعل بمعنى بناء اسم المفعول".

وقال ابن عطية546هـ:" فقال فيه الطبري: إنه من غير هذا المعنى المتقدم، وإنه بمعنى موقوت، قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا يضعفه أن يكون بناء فاعل بمعنى بناء مفعول. ".

فعجبت، كيف ينقل كبار المفسرين عن شيخ المفسرين ما لم يقله، ثم استرجعت، وقلت: ألا يحتمل أنهم لم يخطئوا، وأن في النص تصحيفا، خاصة مع تقدمهم، وتمكنهم من اللغة، إلا أن قامة الشيخ محمود شاكر، وهو من هو في التحقيق والتدقيق والموسوعية، وقفت أمامي، وحالت دون ما لاح لي من أنه خروج من هذا الإشكال، وازدادت حيرتي.

فعدت أدراجي صوب نص ابن جرير، متلبسا ضعفي، مكسوا بكبير جهلي بعلم التفسير ومسائل اللغة، إلا أن الإصرار على الخروج من هذه الدائرة، شجعني، ملتمسا حسن التقدير حال الخطأ الوارد- لما عرفت من ضعف- وحسن ظن بإخوتي، ويظهر -والله أعلم- ألا خطأ في نص الطبري -وجزى الله شاكرا خير الجزاء- بدليل ماصرح به الطبري بقوله:" وهو من غير هذا المعنى". ولعل قول أبي حيان:" وإنه بمعنى موقوت" جملة استئنافية، بدليل قوله قبلها:" إنه من غير هذه المعاني المتقدّمة " فنفى المعنى الجديد، وأثبت معنى القوت، وعليه تكون جملة:" وإنه بمعنى موقوت" من قوله هو لا من قول الطبري.

وهكذا في ما قاله ابن عطية، فهو يذكر مقولة شيخ المفسرين بنفي المعنى الجديد، وإثبات القوت، إلا أنه يورد قول القاضي1 " وهذا يضعفه أن يكون بناء فاعل بمعنى بناء مفعول"، ولعل من هذا القول استقى أبو حيان قوله الآنف، وهو ما يعيدني إلى تساؤلي السابق: ما رأي علماء اللغة في ذلك؟

أكرر اعتذاري عن الإطالة، راجيا حسن التصويب، ووفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه.

...........

1 - لعله يقصد الإمام ابن رشد 595 هـ - رحمه الله- قد كان يُلقب: قاضي القضاة في زمانه.

ـ[عائشة]ــــــــ[02 - 07 - 2008, 10:58 ص]ـ

بارك الله فيكم.

في " مجاز القرآن " لأبي عبيدة (ت 209/ 210):

({عَلَى كُلٍّ شَيْءٍ مُّقِيتًا}: أي: حافظًا محيطًا.

قال اليهوديُّ في غير هذا المعنى:

لَيْتَ شِعْري وأشْعُرَنَّ إذا ما * قرَّبُوها مَطْوِيَّةً ودُعِيتُ

ألِيَ الفَضْلُ أم عَلَيَّ إذَا حُو * سِبْتُ إنِّي علَى الحِسابِ مُقيتُ

أي: هو موقوف عليه) انتهى

وجاء في " لسان العرب " لابنِ منظور (ت 711):

(. . . ويُقال: المُقِيتُ الحافِظُ للشيء والشاهِدُ له؛ وأَنشد ثعلب للسَّمَوْأَل بن عادِياء:

رُبَّ شَتْمٍ سَمِعْتُه وتَصامَمْـ * ـتُ، وعِيٍّ تَرَكْتُه فكُفِيتُ

لَيتَ شِعْري، وأَشْعُرَنَّ إذا ما * قَرَّبُوها مَنْشُورةً ودُعِيتُ

أَلِيَ الفَضْلُ أَمْ عَليَّ، إذا حُو * سِبْتُ? إِنِّي عَلى الحِسابِ مُقِيتُ

أَي: أَعْرِفُ ما عَمِلْتُ من السُّوء، لأَنَّ الإنسان على نفسه بصيرة.

حكى ابن برّي عن أَبي سعيد السِّيرافي، قال: الصَّحيح رواية من رَوَى: " رَبِّي على الحِسابِ مُقِيتُ "، قال: لأَنَّ الخاضعَ لربِّه لا يَصِفُ نفسَه بهذه الصِّفة. قال ابن برّي: الذي حَمَلَ السِّيرافيَّ على تصحيح هذه الرِّواية: أَنه بَنَى علَى أَن " مُقِيتًا " بمعنى مُقْتَدِر، ولو ذَهَبَ مَذْهَبَ من يقول: إِنَّه الحافظ للشَّيء والشَّاهد له -كما ذكر الجوهري-؛ لم يُنْكِر الرِّوايةَ الأَوَّلَة. . . وقيل في تفسير بيت السَّمَوأَل: " إِني على الحِسابِ مُقِيتُ "؛ أَي: مَوقوفٌ على الحساب) انتهى.

فلعلَّ النَّصَّ الَّذي وَصَلَ إلى ابنِ عطيَّة وأبي حيَّان الأندلسيَّيْن عنِ الطَّبَرِيِّ كان مُصحَّفًا، وأستبعدُ أن تكونَ الجملة " وإنَّه بمعنَى موقوت " استئنافيَّة، ويؤيِّدُ ذلك -فيما أرَى- ما قالَه القُرطبيُّ (ت 671) في تفسيره: (وأمَّا قول الشاعر:

*. . . إني علَى الحساب مُقيتُ *

فقال فيه الطَّبريُّ: إنَّه مِن غير هذا المعنى المتقدِّم، وإنَّه بمعنى الموقوف) انتهى

فعبَّر بنفسِ عبارَتَيْهِما، ولكنَّه أدَّى كلامَ الطَّبريِّ كما جاءَ.

وليسَ ببعيدٍ أنْ يحدُثَ التَّصحيف بين " موقوف "، و" موقوت "؛ لتشابههما في الخطِّ.

أمَّا عن قولِ ابنِ عطيَّة: (وهذا يُضعفُهُ أن يكونَ بناءُ فاعلٍ بمعنى بناء مفعول)؛ فإن كان يقصِدُ أنَّ اسمَ الفاعِل لا يأتي بمعنى اسم المفعول؛ فهو غيرُ مُسلَّمٍ به؛ لأنَّه قد يأتي اسمُ الفاعل ويُرادُ به اسم المفعول؛ نحو قوله تعالَى: {فَهُوَ في عِيشةٍ رَّاضِية}؛ أي: مرضِيَّة، وهو مِنَ المجازِ العقليّ؛ كما يذكر البلاغيُّون، وله شواهدُ أخرَى. وإن كانَ يقصِدُ غيرَ ذلك؛ فلا عِلْمَ لي به.

أمَّا ما جاءَ في نصِّ ابن عطيَّة: (قال القاضي أبو محمَّد رحمه الله)؛ فالمعنيُّ به: ابنُ عطيَّة نفسُه، ويكثرُ مثلُ ذلك في مُصنَّفاتِ المتقدِّمين، ولعلَّه من فِعْلِ النُّسَّاخ.

والله تعالَى أعلم.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015