ـ[محمد عمر الضرير]ــــــــ[01 - 07 - 2008, 01:27 ص]ـ
أكرمكم الكريم أخي الأستاذ محمد،
أخي محمد الذي قاله ابن جرير رحمه الله "موقوف" وليس "موقوت"، وهل الذي ذكرته هو من حكم القرطبي أو من قول أبي حيان
؟
وأكرمك أخي الحبيب.
وبداية أعتذر عن سبق القلم، والصواب أنه: " أبو حيان".
وأشكرك أخي الفاضل على هذه الملاحظة ("موقوف" وليس "موقوت)، التي وسَّعت الإشكال السابق، واستوجبت التوقف والمراجعة، ثم اسمح لي أخي الكريم بشيء من التفصيل، معتذرا مقدما عن أي إطالة مزعجة، وما قصدتها لولا استلزام الموضوع لها، ومن ثم فإني مضطر لتناول الموضع المطروق عموما، منتهيا بما طرقه من إشكال، مذكرا بما طرحته من استفسار.
أخي العزيز: جاء ردكم الكريم، عقب تزكيتي لما أورده أستاذي الفاضل د. خضر، الذي أختار فيه ما ذهب إليه الشيخ ابن عاشور في تحريره، وما قصدت في ردي المردود عليه من فضيلتكم نفي ما أكدتم عليه إطلاقا، وأنَّى ذلك وهو ثابت مسلَّم في اللغة بل واختاره الكثير من المفسرين وعلماء اللغة، ولهذا كان استفساري (فما رأي علماء اللغة؟) وإن ركَّزت فيه على الجزئية اللغوية، وسبب تزكيتي، لكون العلم والقدرة داخل فيها كل ما ذُكر من أقوال العلماء، كالحسيب والشهيد، والحفيظ، والرقيب، والمجازي، والرازق، ومعطي القوت -دون شك- لأنه سبحانه عالم بالعوز، وقادر على الإطعام، وتأمل – رعاك الله- قول الشيخ الشعراوي –رحمه الله-: (وأخذت كلمة " مُقيتاً " من العلماء أبحاثاً مستفيضة. فعالم قال في معناها: إن الحق شهيد، وقال آخر: " إن الحق حسيب "، وقال ثالث: إن " مقيتاً " معناها " مانح القوت " ورابع قال: " إنه حفيظ " وخامس قال: " إنه رقيب ".ونقول لهم جميعاً: لا داعي للخلاف في هذه المسألة، فهناك فرق بين تفسير اللفظ بلازم من لوازمه وقد تتعدد اللوازم، فكل معنى من هذه المعاني قد يكون صحيحاً، ولكن المعنى الجامع هو الذي يكون من مادة الكلمة ذاتها. و " مُقيت " من " قاته " أي أعطاه القوت، ولماذا يعطيهم القوت؟ ليحافظ على حياتهم، فهو مقيت بمعنى أنه يعطيهم ما يحفظ حياتهم، ومعناها أيضاً: المحافظ عليهم فهو الحفيظ. وبما أنه سبحانه يعطي القوت ليظل الإنسان حياً، فهو مشاهد له فلا يغيب المخلوق عن خالقه لحظة، وبما أنه يعطي القوت للإنسان على قدر حاجته فهو حسيب. وبما أنه يرقب سلوك الإنسان فهو يجازيه. إذن كل هذه المعاني متداخلة ومتلازمة؛ لذلك لا نقول اختلف العلماء في هذا المعنى، ولكن لنقل إن كل عالم لاحظ ملحظاً في الكلمة، فالذي لاحظ القوت الأصلي على صواب، فلا يعطي القوت الأصلي إلا المراقب لعباده دائماً، فهو شهيد، ولا يعطي أحداً قوتاً إلا إذا كان قائماً على شأنه فهو حسيب. وسبحانه لا يُقيت الإنسان فقط ولكن يقيت كل خلقه، فهو يقيت الحيوان ويلهمه أن يأكل صنفاً معيناً من الطعام ولا يأكل الصنف الآخر. إننا إذا رأينا العلماء ينظرون إلى " مقيت " من زوايا مختلفة فهم جميعا على صواب، سواء من جعلها من القوت أو من الحفظ أو من القدرة أو من المشاهدة أو من الحساب، وكل واحد إنما نظر إلى لازم كلمة " مقيت " وسبحانه يقيت كل شيء، فهو يقيت الإنسان والحيوان والجماد والنبات).أ. هـ
ومع أن الشيخ الشعراوي قدَّم معنى القوت على سائر المعاني الصحيحة، وأدخلها في إطارها، إلا أنها- كما لا يخفى- داخلة في إطار العلم والقدرة – كما أسلفنا-.
وإذا خرجنا بما أعتبره إجابة كافية لسؤالك المفتتح به هذا الموضوع، استسمحك عذرا، في التطرق لما طرحه النقاش من إشكال نبهتني إليه ملاحظتكم الدقيقة، في قولكم: (أخي محمد الذي قاله ابن جرير رحمه الله "موقوف" وليس "موقوت") ولله درك، فقد فتحت لي بابا مثيرا للبحث السر يع، ومتعة علمية في محاولة الخروج من دائرة الاستفهام.
فرجعت ابتداء إلى تفسير شيخ المفسرين الطبري310هـ، لأتأكد مما قاله هو، وهاك ماقاله بالنص: "وقد قيل: إن منه قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: " كَفَى بالمَرْءِ إثْماً أنْ يُضَيِّعَ مَنْ يُقِيتُ " في رواية من رواها: «يُقيت»: يعني من هو تحت يديه في سلطانه من أهله وعياله، فيقدر له قوته. يقال منه: أقات فلان الشيء يقتيه إقاتة، وقاته يقوته قياتة وقُوتاً، والقوت الاسم. وأما المُقِيتُ في بيت اليهودي الذي يقول فيه:
¥