ملتقي اهل اللغه (صفحة 4295)

عشية سال المِربدان كلاهما عجاجةَ موت بالسيوف الصوارم .......................

وقال أبو ذؤيب:

وحتى يؤوب القارظان كلاهما ويُنشر في القتلى كليبٌ لوائل

وهو رجل واحد من عنزة، ذهب (أن) يجتني القَرَظ، فلم يثبُت أنه رجع. ......

وقال العجاج: لا تحسبنّ الخندقين والحَفَر وهو خندق واحد [12]

ونحن لا نستبعد ذلك، إذ ورد في الذكر الحكيم {رب المشرقين ورب المغربين} (الرحمن 17)، كما ورد في آية أخرى {رب السماوات وما بينهما ورب المشارق} (الصافات 5)، وليس هناك أكثر من مشرق واحد، إذا أردنا تعميم الدلالة.

ولكن المفسرين يجعلون كل درجة في طلوع الشمس وكأنه مشرق واحد، فاختلاف مطالع الشمس لديهم هو مشارق، وكذلك جعلوا المشرقين أقصى مطلع تطلع منه الشمس في الأيام الطوال، وأقصر يوم في القصار [13] وهذا بالطبع لا ينفي أن يكون هناك مشرق واحد بدليل الآيات الواردة في ستة مواقع أخرى [14].

إن مثل هذه الأساليب اللغوية التي تعدل عن الأصل المتعارف عليه من شأنها أن تثير التساؤل، وتترك فسحة لمعاودة النص واستنباط معنى قد تؤديه صورة اللفظة الجديدة.

وعلى ذلك، فقد اعتبر ابن جني هذا الانزياح اللغوي أمرًا عاديًا وهو ليس بقاطع دليل على ضعف لغته، ولا قصوره عن اختياره الوجه الناطق بفصاحته [15]. * * *

إزاء ما ذكرنا أعلاه من ضروب الاجتهاد فإن صورة التأكيد تظل هي الراجحة [16]، فكأن الواحد هو اثنان، ونحن نلحظ ذلك أكثر ما نلحظ في خطاب المفرد الذي يكون له مساعد، أو في موقف يكون المفرد فيه في موقف تأثيري {ألقيا في جهنم ...} قفا نبك، اضربا عنقه!، خليا عنه!، فإن تزجراني يا ابن عفان ... إلخ).

ثم إن عدم المطابقة اللغوية كان لكسر آلية ما هو متعارف عليه، فنحن نرى آية فمن ربكما يا موسى (طه 49) فقد سأل من ربكما وخاطب واحدًا - موسى (وكأن هارون مفهوم ضمنًا أنه معه) أو قوله تعالى قال قد أجيبت دعوتكما ... (يونس 89) والخطاب مرة أخرى لموسى وحده؛ ومثل ذلك آية ... فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى (طه 16) بدلا من (فتشقيان).

إنها أساليب تحفز على تدبرها والنظر فيها، وقد تضاف هي والأضداد والمشترك والعدول وغيرها إلى مجمل المثير للنظر، وهنا لا يكون تحديد الدلالة - عامة - هدفًا، بل إن هذا منوط بمراجعة النص وفهم السياق.

المصادر

القرآن الكريم

ابن جني: الخصائص، ج 2، (تحقيق محمد علي النجار)، دار الهدى، بيروت – 1952.

ابن عبد ربه، أحمد: العقد الفريد (ج 5)، دار الكتاب العربي، بيروت – 1965.

ابن فارس: الصاحبي (تحقيق مصطفى الشومي)،مؤسسة بدران، بيروت – 1964.

ابن قتيبة: الشعر والشعراء، ج 2، (تحقيق أحمد محمد شاكر)، دار المعارف بمصر – 1967.

البغدادي، عبد القادر: خزانة الأدب، ج 6، 11، (تحقيق عبد السلام هارون)، مكتبة الخانجي، القاهرة – 1983.

التبريزي، الخطيب: شرح القصائد العشر (تحقيق فخر الدين قباوة)، دار الآفاق، بيروت – 1980.

الجمحي، ابن سلام: طبقات فحول الشعراء، ج 1 (تحقيق محمود شاكر)، دار المدني، د. ت.

الزركشي، برهان الدين: البرهان في علوم القرآن، ج2، دار التراث، القاهرة، د. ت.

الزوزني: شرح المعلقات السبع، دار الجيل، بيروت، د. ت.

القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج15، ج17، دار الكتب العلمية، بيروت، 2000.

[1]- مما يسترعي الانتباه أننا نجد مقابل (هم) للجمع المذكر (هما) للتثنية؛ ومقابل (أنتم) نجد (أنتما) للتثنية أي بزيادة ألف، ولكنا لا نجد في ضمير المتكلم (نحن) ما يقابلها بحيث يخص المثنى – كأن نقول (نحنما)، ولعل ذلك يعود إلى اعتبار المتكلمَينِ الاثنين جماعة بسبب الفخر ومتطلباته التي تدع العربي المتكلم وكأنه جماعة، فكم بالحري إذا كان هناك من يقف معه.

[2]- ابن فارس: الصاحبي، ص 219 قد ذكر العبارة محقق الكتاب مصطفى الشومي نقلا عن السبكي في كتابه عروس الأفراح على شرح تلخيص المفتاح. وقد وردت الجملة كذلك على أنها قول لأحد الفصحاء (خزانة الأدب، ج 6، ص 148).

[3]- الجمحي، ابن سلام: طبقات فحول الشعراء، ج 1، ص 178، وقد ورد البيت في الصاحبي (م. س) بلفظة (أنزجر) بدلا من (أزدجر) ولفظة (تدعاني) بدل (تتركاني). كما ورد في الشعر والشعراء (أنزجر)، ج 2، ص 635.

¥

طور بواسطة نورين ميديا © 2015