ومن الباب أرض مخَرَّجَة، إذا كان نَبْتُها في مكانٍ دونَ مكان، وَخَرّجت الراعيةُ المَرْتَعَ، إذا أكلَتْ بعضاً وتركَتْ بعضاً، وذلك ما ذكرناه من اختلاف اللّونين.
عوي العين والواو والياء: أصلٌ صحيح يدلُّ على ليّ في الشىء وعطْفٍ له.
قال الخليل: عَوَيت الحبلَ عَيًّا إذا لويتَه، وعَوَيت رأس النّاقة، إذا عُجْتَه فانعوى، والناقة تَعْوِي بُرَتَها في سَيرها، إذا لوَتْها بخَطْمها، قال رؤبة:
تَعوِي البُرَى مُستوفِضاتٍ وَفْضا
أي سريعات، يصف النُّوقَ في سَيرها؛ قال: وتقول للرّجُل إذا دعا النّاسَ إلى الفتنة: عوى قومًا، واستعوى. فأمَّا عُوَاء الكلب وغيرِه من السباع فقريبٌ من هذا، لأنّه يَلوِيه عن طريق النَّبْح: يقال عَوَتِ السّباع تَعوِي عُواءً؛ وأمّا الكَلْبة المستحرِمة فإنَّها تسمَّى المعاوِيَة، وذلك من العُواء أيضًا، كأنَّها مُفاعلة منه. والعَوَّاء: نجمٌ في السماء، يؤنّث، يقال لها: «عوّاء البَرْد»، إذا طلعت جاءت بالبرد، وليس ببعيد أن تكون مشتقَّةً من العُواء أيضًا، لأنّها تأتي ببردٍ تعوي له الكلاب؛ ويقولون في أسجاعهم: «إذا طلعت العَوَّاء، جَثَمَ الشتاء، وطابَ الصّلاء»، وهي في هذا السَّجع ممدودة، وهي تمدُّ وتقصر. ويقولون على معنى الاستعارة لسافِلَة الانسان: العَوَّاء.
عبل العين والباء واللام أصلٌ صحيحٌ: يدلُّ على ضِخَم وامتداد وشِدّة. من ذلك العَبْلُ من الأجسام، وهو الضَّخم، تقول: عبُل يَعْبُل عَبالة، قال:
خبطناهم بكلّ أرحَّ لأمٍ كمِرْضاحِ النَّوى عَبْلٍ وَقاحِ
الأرَحّ: الحافر الواسع.
ومن الباب الأعْبْلَ، وهو الحجر الصُّلب ذُو البياض، ويقال جبلٌ أعبلُ وصخرةٌ عَبْلاء، وقال أبو كبيرٍ الهذليّ يصف نابَ الذّئبةُ:
أخرجت منها سِلْقةً مهزولةً عجفاءَ يبرق نابُها كالأعبَلِ
ومنه قولهم: هو عَبْلُ الذّراعين، أي غليظُهما مدِيدُهما، ومنه: ألقى عليه عَبالَّته، أي ثِقْله؛ ومحتمل أن يكون العَبَل، وهو ثمر الأرطى من هذا، ولعل فيه امتدادًا وطُولا.
عبد العين والباء والدال أصلانِ صحيحان، كأنَّهما متضادّان، و (الأول) من ذينك الأصلينِ يدلُّ على لِين وذُلّ، والآخر على شِدّة وغِلَظ.
فالأوّل العَبْد، وهو المملوك، والجماعةُ العبيدُ، وثلاثةُ أعبُدٍ. وهم العِبادُ، قال الخليل: إلاّ أنّ العامة اجتمعوا على تفرِقة ما بين عباد الله والعبيدِ المملوكين؛ يقال: هذا عبدٌ بيّن العُبُودَة، ولم نسمَعْهم يشتقُّون منه فعًلا، ولو اشتق لقيل عَبُد، أي صار عبدًا وأقرَّ بالعُبُودة، ولكنّه أُمِيت الفعلُ فلم يُستعمل؛ قال: وأمّا عَبَدَ يَعبُد عبادةً فلا يقال إلاّ لمن يعبدُ الله تعالى، يقال منه عَبَد يعبُد عبادة، وتعبَّد يتعبّد تعبّدًا. فالمتعبّد: المتفرّد بالعبادة، واستعبدتُ فلانًا: اتخذتُه عبدًا، وأمّا عَبْدٌ في معنى خَدَم مولاه؛ فلا يقال عبَدَه، ولا يقال يعبُد مَولاه؛ وتعبَّدَ فلانٌ فلانًا، إذا صيَّره كالعبد له وإن كان حُرًّا، قال:
تَعبَّدَني نِمْرُ بنُ سعدٍ وقد أُرى ونِمْرُ بنُ سعدٍ لي مطيع ومُهْطِعُ
ويقال: أعْبَدَ فلانٌ فلانًا، أي جعله عبدا. ويقال للمشركين: عَبَدة الطّاغوتِ والأوثان، وللمسلمين: عُبّادٌ يعبدون الله تعالى، وذكر بعضُهم: عابد وعَبَد، كخادم وخَدَم؛ وتأنيثُ العَبْد عَبْدَةٌ، كما يقال مملوك ومملوكة، قال الخليل: والعِبِدَّاء: جماعة العَبِيد الذين وُلِدُوا في العُبودة.
ومن الباب البعير المعبَّد، أي المهنُوء بالقَطِران، وهذا أيضًا يدلُّ على ما قلناه لأنّ ذلك يُذِلُّه ويَخفِض منه، قال طرفة:
إلى أن تحامَتْنِي العشيرةُ كلُّها وأُفرِدْتُ إفرادَ البَعير المعبَّدِ
والمعبّد: الذّلول، يوصَف به البعير أيضًا؛
ومن الباب: الطريق المُعَبَّد، وهو المسلوك المذلَّل.
والأصل الآخَر العَبَدة، وهي القُوّة والصّلابة، يقال هذا ثوبٌ له عَبَدة، إذا كان
عبر العين والباء والراء أصلٌ صحيح واحدٌ يدلُّ على النفوذ والمضيّ في الشىء. يقال: عَبَرت النّهرَ عُبُورًا، وعَبْر النهر: شَطُّه؛ ويقال: ناقةٌ عُبْرُ أسفارٍ: لا يزال يُسافَرُ عليها، قال الطّرِمّاح:
قد تبطَّنْتُ بِهِلْوَاعةٍ عُبْرِ أسفارٍ كَتُوم البُغَامْ
¥