ومما حُمِلَ على هذا قولهم للنَّحل جوارس، بمعنى أواكِل، وذلك أنَّ لها عند ذلك أدنى شيءٍ كأنه صوت؛ قال أبو ذؤيب يذكر نَحْلاً:
يَظَلُّ على الثَّمراءِ منها جَوَارسٌ مَرَاضيعُ صهْبُ الرّيش زُغبٌ رِقابُها
وَالجَرَس: الذي يعلَّق على الجِمال، وفي الحديث: «لا تصحبُ الملائكةُ رُفْقَةٌ فيها جَرَسٌ». ويقال جَرَسْتُ بالكلام أي تكلّمتُ به، وَأجْرَسَ الحَلْيُ: صوَّت؛ قال:
تَسْمَعُ لِلحَلْيِ إذا ما وَسْوَسَا وارتجَّ في أَجْيادها وَأجْرَسا
ومما شذَّ عن هذا الأصل الرجل المجَرّسَ وهو المجرّب، ومضى جَرْسٌ من الليل، أي طائفة.
جرح الجيم والراء والحاء أصلان: أحدهما الكسب، والثاني شَقّ الجِلْد.
فالأوّل قولهم (اجترح) إذا عمل وكَسَب؛ قال الله عزّ وجلّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ} (الجاثية21)؛ وإنّما سُمّي ذلك اجتراحاً لأنه عَمَلٌ بالجوَارح، وهي الأعضاء الكواسب. وَالجوارحُ من الطَّير والسباع: ذَوَاتُ الصَّيد.
وأما الآخَر (فقولهم) جرحَه بحديدةٍ جرْحاً، والاسم الجُرْح. ويقال جرَح الشاهدَ إذا ردّ قولَه بِنَثاً غيرِ جميل، وَاستَجْرَحَ فلانٌ إذا عمل ما يُجْرَح من أجله. فأمّا قول أبي عبيدٍ في حديث عبد الملك: «قد وعظتُكم فلم تزدادُوا على الموعظة إلاّ استجراحاً» إنه النُّقصان من الخير، فالمعنى صحيح إلاّ أنّ اللفظ لا يدلُّ عليه؛ والذي أراده عبدُ الملك ما فسَّرناه، أي إنّكم ما تزدادون على الوعْظ إلاّ ما يكسبكم الجَرْحَ والطَّعْنَ عليكم، كما تُجرَح الأحاديث. وقال أبو عبيد: يريد أنّها كثيرة صحيحها قليل، والمعنى عندنا في هذا كالذي ذكرناه مِن قَبْل، وهو أنّها كثُرتْ حتى أحوج أهلَ العلم بها إلى جَرْح بعضها ـــ أنّه ليس بصحيح.
جلد الجيم واللام والدال أصلٌ واحدٌ، وهو يدلُّ على قوّةٍ وصلابة. فالجِلْدُ معروفٌ، وهو أقوى وأصلَبُ ممّا تحته من اللحم، وَالجَلَد صلابة الجِلد؛ وَالأجلاد: الجسم، يقال لجِسم الرّجُل أجلادُهُ وَتجاليده. وَالمِجْلَد: جِلدٌ يكون مع النّادبة تضرِب (به) وجْهَها عند المناحة، قال:
خرجْنَ حريراتٍ وأبدَيْنَ مِجْلَداً وجالَتْ عليهن المكتَّبةُ الصُّفْرُ
وَالجَلَدُ فيه قولان: أحدهما أن يُسلخ جِلدُ البعير وغيرُه فيُلْبَسُه غَيْره من الدّوابّ، قال:
كأنَّه في جَلَدٍ مُرَفَّلٍ.
والقول الثاني أنْ يُحْشَى جِلد الحُوار ثُماماً أو غيرَه، وتُعطَفَ عليه أُمُّهُ فَتَرأمَه، وقال العجّاج:
وقد أُرَانِي للغوانِي مِصْيَدَا
مُلاَوةً كأنَّ فَوقِي جَلَدَا
يقول: إنّهنّ يرأمْنَني ويعطِفْن عليَّ كما تَرأمُ النّاقة الجَلَد.
وكان ابنُ الأعرابيّ يقول: الجِلْد وَالجَلَد واحد، كما يقال شِبْه وشَبَه، وقال ابن السكيت: ليس هذا معروفاً. ويقال جَلَّدَ الرّجُلُ جزوره إذا نَزَع عنها جِلدَها، ولا يقال سَلَخَ جَزوره، ويقال فرس مجلَّد إذا كان لا يجزع من ضرب السَّوط. ويقال ناقةٌ ذات مجلودٍ إذا كانت قويّةً، قال:
مِن اللّواتي إذا لانَتْ عريكتُها يبقى لها بعدها آلٌ ومَجْلُودُ
ويقال إنّ الجَلَد من البُعُر الكبار لا صِغَار فيها، وَالجَلَد: الأرض الغليظة الصلبة. وَالجِلاد من الإبل تكون أقلَّ لبناً من الخُور، الواحدة جَلْدَة.
جمر الجيم والميم والراء أصلٌ واحدٌ: يدلُّ على التجمُّع. فالجمر جَمْر النَّار معروف، الواحد جمْرة، وَالجمّار جُمّار النخل وَجَامُورُهُ أيضاً، وهي شَحْمَةُ النَّخْلة. ويقال جَمَّرَ فلانٌ جيشَه إذا حبَسَهم في الغَزْوِ ولم يُقْفلْهُم إلى بلادهم، وحَافِرٌ مُجْمَرٌ: وَقَاحٌ صُلْبٌ مجتمع. وَالجَمَرَات الثلاثُ اللّواَتي بمكّة يُرْمَيْنَ من ذلك أيضاً، لتَجَمُّعِ ما هناك من الحصى.
وأمّا جمَرات العرب فقال قوم: إذا كان في القَبِيل ثلاثمائةِ فارسٍ فهي جَمْرَةٌ، وقال قوم: كلُّ قبيلٍ انضمُّوا وحاربوا غيرَهُم ولم يُحالفوا سواهم فهُمْ جمْرة. وكان أبو عبيدٍ يقول: جَمَرَاتُ العرب ثلاث: بنو ضَبَّة بن أُدّ، وبنو نُمير بن عامر، وبنو الْخرِث بن كعب، فطَفِئَتْ منهم جمرتان، وبقيت واحدة: طَفِئَت ضبّة لأنها حَالفت الرِّباب، وطَفِئَتْ بنو الْخرِث لأنّها حالفت مَذْحِجاً، وبقيت نُميرٌ لم تَطْفَأ، لأنّها لم تُحَالِفْ.
¥