وقد كانت الحضارة العربية-الإسلامية في أوجها في العصور الوسطى، وظلت اللغة العربية لخمس مئة عام أو ما يناهز ذلك لغة المعرفة والثقافة والتقدم الفكري. وتمت ترجمة معظم المؤلفات الإغريقية الكلاسيكية العلمية والفلسفية إلى العربية في القرن التاسع. وانطلاقاً من هذا الأساس، حقق العلماء العرب في مجالات الدراسات الثقافية أو الإنسانية والعلوم والطب والرياضيات تقدماً كبيراً في المعرفة تم نقله بعد ذلك إلى أوروبا الغربية عن طريق الجامعات الإسلامية في إسبانيا. فنحن (أي الغربيين) مدينون، على سبيل المثال، لعلماء الرياضيات العرب بنظام الحساب بالكسور العشرية، المبني على أساس مفهوم الصفر الهندي، وكلمة zero ورديفتها cipher مأخوذتان من كلمة صفر العربية التي تعني «خاوي».
وكان تعلم اللغة العربية شائعاً على نطاق واسع في إنجلترا في العصور الوسطى من القرن الحادي عشر حتى القرن الثالث عشر، بل وحتى بعد ذلك. وقد قام أبيلارد، من مدينة باث، الذي كان آنذاك من أهم أهل العلم والمعرفة في أوروبا، بترجمة جداول الخوارزمي الفلكية من العربية إلى اللاتينية في أوائل القرن الثاني عشر. ودخل تعبيران مألوفان في الرياضيات اللغة الإنجليزية بهذه الطريقة: algebra و algorithm . وقد اشتقت كلمة ألغوريثم من اسم الخوارزمي نفسه، في حين أن ألجبرا مأخوذة من كلمة الجبر التي تعني «إعادة وصل الأجزاء المكسورة»، وهي كلمة وردت في أحد مؤلفات الخوارزمي، «حساب الجبر والمقابلة». كما تستخدم كلمتا الجبر العربية وألجبرا الإنجليزية بمعنى معالجة العظام المكسورة بالجراحة وتقويم أو تجبير العظام المكسورة. ويورد معجم أوكسفورد إنجلش ديكشنري، الذي يورد المعاني متسلسلة حسب استخدامها تاريخياً، معنى «معالجة الكسور بالجراحة» كمعنى أول مستشهداً بما ورد في العام 1565م من أن: «هذه الكلمة العربية تستخدم لتشير إلى كسور العظام، وهلم جرا، وأيضاً إلى تجبيرها».
وكان أحد أعظم الإسهامات التي قدمها العلماء العرب لتوسعة نطاق المعرفة تطويرهم علم الفلك، وعندما ينظر المرء اليوم إلى خريطة حديثة للنجوم يشاهد مئات النجوم التي اشتقت أسماؤها من العربية: وما صلى الله عليه وسلمltair, صلى الله عليه وسلمldebaran, رضي الله عنهetelguese, Vega, Rigel, صلى الله عليه وسلمlgol إلا حفنة قليلة منها. واشتقاق الأسماء الثلاثة الأخيرة، فيغا وريغل والغول، مثير للفضول والاهتمام. فهي كلها مشتقة من كلمة الغول العربية، التي دخلت الإنجليزية بنفس اللفظ (ghoul) واشتقت منها الصفة ghoulish)) وقد أطلق العرب اسم الغول على النجم صلى الله عليه وسلمlgol لمظهره الشبيه بالشبح، لأنه يبدو كذلك، لكونه نجماً ثنائياً كاسفاً، ضبابياً ويتغير سطوعه كل يومين. وعلاوة على أسماء النجوم، نجد الكثير من التعابير الفلكية، وبينها zenith ((السمت أو الذروة) و (nadir (النظير، نظير السمت) و azimuth (السمت أو زاوية السمت)، المشتقة من العربية.
وكلمتا (elixir) الإكسير و talisman) الطلسم) هما في الأصل كلمتان عربيتان استخدمتا في علم الكيمياء القديمة، بينما اشتقت كلمة (almanac الروزنامة أو التقويم) من كلمة المناخ التي كانت مستخدمة في علم الفلك. ومن الكلمات الفنية الأخرى caliper و caliber و aniline و marcasite و camphor أضف إلى ذلك أن الحجارة الكريمة توزن بالقيراط (carat) والورق بالرزمات (ream) بفضل العرب: فالقيراط وحدة وزن صغيرة والرزمة هي حزمة. وهناك كلمتان أخريان تثيران الاهتمام في هذه الفئة هما average و alcohol فالأولى التي تستخدم في الإنجليزية إشارة إلى مفهوم رياضي مألوف، مشتقة في الواقع بشكل غامض من العوار بمعنى البضاعة التي فيها عورة أو عيب. وقد استخدمت إذ كان يتعين توزيع كلفة البضائع التي تضررت أثناء نقلها بطريق البحر على نحو متناسب (أي averaged) بين أطراف مختلفة في التجارة.
¥